المخدرات.. من الفراعنة حتى محمد صلاح!    خطف الموزة .. شاهدها 6 ملايين متابع.. سعود وكريم بطلا اللقطة العفوية خلال مباراة كأس الأمير يكشفان التفاصيل المضحكة    بالصور.. معتز برشم يتوج بلقب تحدي الجاذبية للوثب العالي    لولوة الخاطر.. قطرية تكشف زيف شعارات الغرب حول حقوق المرأة    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    مدير شرطة ولاية القضارف يجتمع بالضباط الوافدين من الولايات المتاثرة بالحرب    محمد سامي ومي عمر وأمير كرارة وميرفت أمين في عزاء والدة كريم عبد العزيز    توجيه عاجل من"البرهان" لسلطة الطيران المدني    حركة المستقبل للإصلاح والتنمية: تصريح صحفي    جبريل إبراهيم: لا يمكن أن تحتل داري وتقول لي لا تحارب    برقو الرجل الصالح    مسؤول بالغرفة التجارية يطالب رجال الأعمال بالتوقف عن طلب الدولار    مصر تكشف أعداد مصابي غزة الذين استقبلتهم منذ 7 أكتوبر    لماذا لم يتدخل الVAR لحسم الهدف الجدلي لبايرن ميونخ؟    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    مقتل رجل أعمال إسرائيلي في مصر.. معلومات جديدة وتعليق كندي    توخيل: غدروا بالبايرن.. والحكم الكارثي اعتذر    النفط يتراجع مع ارتفاع المخزونات الأميركية وتوقعات العرض الحذرة    النموذج الصيني    غير صالح للاستهلاك الآدمي : زيوت طعام معاد استخدامها في مصر.. والداخلية توضح    مكي المغربي: أفهم يا إبن الجزيرة العاق!    الطالباب.. رباك سلام...القرية دفعت ثمن حادثة لم تكن طرفاً فيها..!    موريانيا خطوة مهمة في الطريق إلى المونديال،،    ضمن معسكره الاعدادي بالاسماعيلية..المريخ يكسب البلدية وفايد ودياً    ثنائية البديل خوسيلو تحرق بايرن ميونيخ وتعبر بريال مدريد لنهائي الأبطال    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل مصري حضره المئات.. شباب مصريون يرددون أغنية الفنان السوداني الراحل خوجلي عثمان والجمهور السوداني يشيد: (كلنا نتفق انكم غنيتوها بطريقة حلوة)    شاهد بالفيديو.. القيادية في الحرية والتغيير حنان حسن: (حصلت لي حاجات سمحة..أولاد قابلوني في أحد شوارع القاهرة وصوروني من وراء.. وانا قلت ليهم تعالوا صوروني من قدام عشان تحسوا بالانجاز)    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    إسرائيل: عملياتنا في رفح لا تخالف معاهدة السلام مع مصر    الجنيه يخسر 18% في أسبوع ويخنق حياة السودانيين المأزومة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    الولايات المتحدة تختبر الذكاء الاصطناعي في مقابلات اللاجئين    كل ما تريد معرفته عن أول اتفاقية سلام بين العرب وإسرائيل.. كامب ديفيد    زيادة كبيرة في أسعار الغاز بالخرطوم    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المفكر الإسلامي بروفيسور حسن مكي في أحاديث المصير
نشر في الأهرام اليوم يوم 07 - 01 - 2011

للرجل رؤاه الخاصة دوماً التي تتَّسم بالموضوعية والقراءة الواقعية. لن نسهب في التعريف به؛ فهو علمٌ في رأسه نارٌ.
حول قضية أبيي يعتقد حسن مكي أنها مضخمة، مطلقاً تساؤله بصددها بخلاف كونها منطقة مرعى واكتسبت أهمية جديدة بوجود البترول (ماذا فيها)؟
الباحث التاريخي والمفكر الإسلامي يعتقد أن هناك تياراً انفصالياً كان بالجنوب لكنه لم يكن يقوده أبناء أبيي؛ رغم أنهم قادوا الحرب. التيار الانفصالي في الجنوب بحسب مكي قادة الأب «سانتينو لاهوري» وكان معه «أقري جادين». أما أبناء أبيي فقد أكد أنهم كانوا في الصف الوحدوي (يعني فرانسيس دينق)، ولكن ابتداءً من عام 1982م وبسبب التدخلات الخارجية الشديدة؛ قاد أحد أبناء دينق مجوك أولى ضربات الحركة وقبل أن ينضم إليها جون قرنق، وللأسف الشديد استُهدفت لأنه خلط ما بين الصراعات المحلية التي تحدث بين العرب والأفارقة وبين العرب والدينكا وقضية السودان الكبرى (الوحدة والفيدرالية والانفصال) نتيجة الضغوط الإعلامية والضغوط الصهيونية والتخريجات. فلذلك لجأ إلى حرق قرى الدينكا الإسلامية قرى إليات وفي قطاع أويل، وكانت هذه بداية الحرب.
معاً نتابع هذا الحوار الشيِّق على أعتاب المصير.
{ بروف، يثور جدل كثيف الآن حول مصير منطقة أبيي، البعض يتحدث عن صورة مثالية للتعايش في الماضي بين المسيرية ودينكا نقوك. كيف تنظر إلى صورة الماضي لهذه المنطقة المثيرة للجدل في ظل تداعيات الحاضر؟
منطقة أبيي كانت تمثل منطقة للتمازج والتعايش والتداخل السكاني وجاء الدينكا إلى هذه المنطقة، حسب الروايات التاريخية، ودينكا نقوك في ما بعد عام 1905م إلا أن روايات الرحالة وغيرهم تشير إلى أن الرحالة حينما جاءوا إلى منطقة شمال بحر العرب لم يجدوا فيها إلا بعض العرب المسيرية في هذه المنطقة، بينما حينما عبروا النهر إلى الجنوب وجدوا قبائل دينكا نقوك ولكن هذه القبائل كغيرها من قبائل الدينكا الآن انتشرت في كل السودان وانتشرت في منطقة أبيي وكان المسيرية يحتاجون لهذه القبائل لمساعدتهم في شؤون الرعي والزراعة والتفاعل السكاني وكانت هنالك علاقات متداخلة ممتازة ما بين الأب المؤسس الذي جاء بالهجرة إلى هذه المنطقة وشيوخ المسيرية وكان على هذا الأساس يتم فض المنازعات تحت مجالس الشجر وما كانت فكرة الحدود أصلاً واردة. الحدود هذه جاءت مع الفكرة الاستعمارية لتقسيم السودان إلى المديريات الجنوبية الثلاث وكان لابد أن يكون هناك خط فاصل خط وهمي ما بين بحر الغزال وكردفان وفي هذا الوقت كان دينكا نقوك قد عبروا واستقروا في منطقة كردفان لأنه كانت لديهم مشاكل كبيرة مع إخوانهم في المرعى وهنالك في هذه المنطقة ولذلك حتى فرانسيس دينق في كتابه عن العلاقات بين دينق مجوك وبابو نمر يتكلم عن هذا الجوار وهذا التعايش، والاعتراف بالآخر وصل إلى درجة أنه جاء وقت أصبح فيه دينق مجوك هو رئيس المجلس المحلي في هذه المنطقة. وفي الماضي القريب اختار أبناء أبيي (دينكا نقوك) الشمال عندما خُيِّروا ولكن برز الآن موقف جديد ومتشدد لهم من الشمال باختيارهم الانضمام إلى الجنوب. مثلما يحدث الآن كثير من الدينكا فضَّلوا البقاء في الشمال وحينما طُلب منهم العودة رغم الإغراءات ورغم برامج الإعادة والتوطين رفضوا ذلك وآثروا البقاء. والآن هنالك الملايين ليس فقط في المناطق الحدودية بل موجودين حتى في أقاصي الشمال لأن في الشمال يوجد التعليم، ودينق مجوك وأبناؤه لو لم يكونوا في الشمال لكان حظهم من التعليم بئيساً. الآن أكبر مجموعة من الدينكا هي أبناء دينق مجوك وهم من الذين أشعلوا شرارة التمرد وهم الذين الآن يقودون الجنوب وأكبر شخص له إنتاج فكري وروحي هو فرانسيس دينق منهم. وفي علاقات الإدارة العسكرية والإدارة الاقتصادية هم متقدمون على غيرهم، كما أنهم أصبحوا مسلمين واستعربوا وهم أحسن من يتكلمون اللغة العربية وسط الجنوبيين ويعتبرون العربية هدية السماء لهم لأنها مكنتهم من إجادة اللغة التواصلية بين كل قبائل الجنوب فأصبحوا هم النخبة، يمثلون النخبة على أساس العطاء الثقافي والفكري والروحي.
{ تفسيرات عدة للصراع الدائر الآن حول أبيي، البعض يذهب مباشرةً إلى أن (لعنة النفط) هي ما أيقظت الفتنة النائمة في المنطقة. كيف يمكن أن نفسر هذا الصراع المحتدم حول أبيي؟
أنا أعتقد أن قضية أبيي هذه قضية مضخمة أصلاً؛ لأن أبيي غير أنها منطقة مرعى واكتسبت أهمية جديدة بوجود البترول ماذا فيها؟ الآن حينما يذهب الإنسان إلى مدينة أبيي لا يجد فيها حتى حمامات، فهي منطقة خلوية صعبة. القيمة التي فيها أنها منطقة للتداخل والعبور وانتقال الثقافة العربية الإسلامية. وأعتقد أن حزام الكنائس انزعج ويخشى أن يتم تعريب الجنوبيين، كما حدث لأبناء دينق مجوك. هم يريدون الجنوب أن يكون منطقة عازلة ما بين الثقافة العربية الإسلامية وما يسمونها بالثقافة الزنجية المتعولمة التي يريدون أن تتغذى في إطار الثقافة الكنسية واللغة الإنجليزية. والثقافة الإسلامية لا تعارض الثقافات المحلية؛ لأن الثقافة الإسلامية تعترف بتعدد الزوجات وتعترف بالزواج المتداخل، بينما نجد أن الأوروبيين لا يتزوجون أبداً من الجنوبيين، لم يحدث أصلاً أن تزوج أوروبي من جنوبية ولا قسيس من جنوبية، رغم أن الخواجات والإنجليز ظلوا (57) سنة في السودان، ولكن الأعراب تزوجوا بالملايين وأنجبوا مجموعات هجيناً وأصبحوا حكاماً موجودين. ولذلك هذه مثل دارفور؛ دارفور أيضاً لأنها تعرَّبت الآن الفرنسيون يخشون أن تتعَّرب تشاد كما تعرَّبت دارفور ولذلك كانوا يريدون دارفور أن تكون فيها قلاقل وحروب ومنطقة عازلة لمسارات التعريب، ولكن الآن البرلمان التشادي أعلن موافقته على الانضمام والدخول الى جامعة الدول العربية، رغم أن الدخول إلى جامعة الدول العربية لا يقدم ولا يؤخر بالنسبة لهم ولكن بالنسبة إلى سؤال الذاتية أو الهوية يستطيع أي تشادي الآن أن يقول إنه عربي.
{ البعض يذهب إلى أن الوجود القوي لأبناء أبيي في قيادة الحركة الشعبية هو الذي جعل الحركة أكثر تشدداً وتطرفاً في موقفها هذا من القضية؟
في الجنوب كان هناك تيار انفصالي، والتيار الانفصالي هذا لم يكن يقوده أبناء أبيي رغم أنهم قادوا الحرب. التيار الانفصالي في الجنوب قاده الأب «سانتينو لاهوري» وكان معه «أقري جادين». هذا هو التيار الانفصالي. أبناء أبيي كانوا في التيار الوحدوي، يعني فرانسيس دينق كان يميل لرؤية السودان الموحد ولكن ابتداءً من عام 1982م وبسبب التدخلات الخارجية الشديدة قاد أحد أبناء دينق مجوك أولى ضربات الحركة وقبل أن ينضم إليها جون قرنق. وللأسف الشديد استُهدفت لأنه خلط ما بين الصراعات المحلية التي تحدث ما بين العرب والأفارقة وبين العرب والدينكا وقضية السودان الكبرى «الوحدة والفيدرالية والانفصال» نتيجة الضغوط الإعلامية والضغوط الصهيونية والتخريجات، فلذلك لجأ إلى حرق قرى الدينكا الإسلامية قرى إليات وفي قطاع أويل وكانت هذه بداية الحرب وأنا شهدت ذلك لأنني أذكر، مع أنني كنت موظفاً صغيراً في المركز الإسلامي الأفريقي، طُلب مني أن أقود حملة لإغاثة مسلمي الدينكا الفارين من قطاع أويل إلى منطقة الميرم وكان ذلك 1983م، وفعلاً وصلت هناك وكان معي الأخ حسان سعد الدين توفي «رحمه الله» والأخ التجاني سراج «عافاه الله»، وعندما وصلنا وجدنا الدينكا بقيادة الدينكاوي المسلم علي الجاك في وضع مأساوي فطلبنا من العرب أن يستوعبوهم ووعدناهم بتقديم خدمات وربطهم بجمعيات الإغاثة وغيرها ولم يكن في الميرم في ذلك الوقت أي وجود للجنوبيين، وفعلاً استضافوهم وجعلوهم يعملون في الزراعة معهم ومن هنا بدأ توطين الدينكا في هذه المنطقة ولكن الحرب بدأت. الحرب لم تبدأ ضد العرب؛ الحرب بدأت ضد الدينكا أنفسهم كأنها حرب أهلية بين الدينكا، لأن هؤلاء الدينكا تأسلموا وتعربوا، مثل مجموعة السلطان عبد الباقي ومجموعة السلطان علي الجاك.
{ هل موافقة المؤتمر الوطني على البروتوكول الخاص بأبيي كان بداية الدخول لهذا النفق، بالرغم من أن المنطقة تقع شمال حدود 1956م؟
التعقيد هو أصلاً موجود، هو حاول أن يلطف وأن يقدم الأربعاء حتى يصل إلى الأحد ويقول ليك قدِّم الجمعة تلقى السبت. لأنه كان المطلوب إيقاف كل الحرب التي هدَّت كل السودان ولأن العداء والبغضاء والشحن ليس من مصلحة السودان. العداء والبغضاء ما بين الجنوب والشمال من مصلحة إسرائيل، هو من مصلحة القوى الاستكبارية، هو من مصلحة النادي الكنسي بمختلف أطيافه. والآن أنا أعتقد أن الذين يتحركون بردود الأفعال ويقولون قولاً مغلَّظاً لأبناء أبيي أو لأبناء جنوب السودان يسهمون في إشعال الحريق ولمصلحة الكنائس؛ لأن الجنوب مستضعف حينما يسمع أن أخاه الشمالي يجرحه ولو بلسانه، سواء كان رد فعل أو غيره إلى أين سيذهب؟ سيذهب إلى الكنيسة الملاذ والملجأ وسيذهب إلى الجمعيات اليهودية «اللوبي الصهيوني» وسيذهب إلى نادي الاستكبار. ولذلك لابد للشمال أن يكون عنده قدر من الأريحية وقدر من العطاء الحسن تجاه أخيه الجنوبي.
{ البعض يذهب إلى أن الضغوط الغربية والأمريكية على الشمال تبدو سافرة للغاية في ما يتعلق بالجنوب عموماً وأبيي خصوصاً. هل يتعرض السودان إلى ضغوط حقيقية من الولايات المتحدة في ما يخص هذا الملف تحديداً؟
الآن السودان كله تحت المشروع الأمريكي، سواء أكان نيفاشا أو أبوجا أو الدوحة أو قوات السلام في جنوب السودان أو أمبيكي أو قوات السلام في دارفور أو قوات الاتحاد الأفريقي، هذه كلها واجهات للحركة الأمريكية. وأمريكا الآن ليست موجودة فقط في السودان؛ أمريكا الآن موجودة في كل ما يحيط بالسودان.
{ إذن، هل تبحث أمريكا عن موطئ قدم جديد في منطقة تُوصف بأنها غنية بالنفط؟
هذه نقطة تقاطع إستراتيجية، أمريكا تريد أن يكون عندها وجود في هذه المنطقة. وما أمريكا في النهاية سوى النادي الكنسي والنادي اليهودي والنادي الاستخباراتي ونادي السلاح ونادي النفط، هذه هي أمريكا المؤسسية. فأمريكا المؤسسية هي نادي النفط ويجب أن يكون موجودا، ونادي السلاح؛ لأن هذه المنطقة بها السلاح في تشاد والسلاح في جنوب السودان والسلاح في شمال السودان والسلاح في ليبيا؛ كل السلاح يمكن أن يباع ويمكن أن يُدار من هذه المنطقة. ونادي الكنيسة، وهل للكنيسة مشروع أكبر من مشروع التنصير في جنوب السودان؟ والنادي اليهودي الذي يرى أن السودان بلد تماس وتقاطع مع البحر الأحمر وأنه يدعم حماس والجهاد، ولذلك لابد أن تكون إسرائيل حاضرة وموجودة. فلذلك هذه الأندية كلها موجودة بقوة ليس فقط في أبيي؛ هي موجودة في الخرطوم وموجودة في جوبا وحاضرة في كل دول الجوار السوداني.
{ رغم ما تقدمه أمريكا من محفزات لشمال السودان إلا أن الضغوط الأخرى حاضرة بقوة. في ماذا تتمثل هذه الضغوط؟
في الضغوط الاقتصادية والمقاطعة الاقتصادية وتهديد شركات البترول العاملة.
{ هل دخلت أبيي نفقاً مظلماً؟ وكيف تقرأ المواقف الأخيرة حولها؟
لا أعتقد أنها دخلت النفق. يجب أن نتعامل معها بأريحية ورغم أن الأرض أرض مسيرية ونطالب المسيرية بتقديم تنازلات؛ ليس بسبب الضغوط الأمريكية ولكن لكسب الجنوبيين ولكسب القضية مستقبلاً؛ لأنه إذا كانت أمريكا وإسرائيل كسبت معركة الجنوب سياسياً فمن المؤكد أن الثقافة العربية كسبت المعركة الحضارية لأن اللغة العربية هي للغة التواصل الأولى في الجنوب التواصلي. التجارة في الجنوب تتجه إلى لشمال، ربع سكان الجنوب موجودون في الشمال وثلثهم الآخر موجود في المناطق الحدودية. الشخص الموجود في أبيي أو الموجود في الرنك هو لا يعرف جوبا إلا بالطائرة وإذا أراد الطائرة لابد أن يأتي إلى الخرطوم أولاً ثم يذهب إلى جوبا، يعني من الرنك أو غيره. فلذلك الحراك السكاني كله في اتجاه أن يكون الجنوبيون شماليين وأن يكونوا من أصحاب اللسان العربي وأن يكونوا مستعربين. وإذا وجدنا الأجواء سلمية أنا أعتقد أنه حتى إذا انفصل جنوب السودان فإن هنالك ثلاث صيرورات ستكون فاعلة:
الأولى: أن الهجرة من الجنوب إلى الشمال ستزداد وكما يتدفق البترول شمالاً سيزداد تدفق الجنوبيين إن خَلُصنا إلى أن المنطقة مرشحة لبعض التوترات. والجنوبيون لن يجدوا منفذاً في الكنغو الذي يضج بالسكان، (70) مليوناً، ولا إثيوبيا التي تضج بالسكان، (70) مليوناً، ولا في أوغندا التي هي ثلث مساحة جنوب السودان مساحتها (95000) ميل تضج بالسكان أكثر من (30) مليوناً ولا في كينيا لأنهم إذا ذهبوا هنالك سيذهبون مواطنين من الدرجة العاشرة. أما إذا جاءوا إلى الشمال فسيجدون السكن حتى ولو كان السكن عشوائياً وسيجدون فرص العمل حتى ولو كانت مُوَاطَنَة من الدرجة الثانية، كما يقولون، لكن هناك كل شيء معلوم وسيُعَاملون فقط كنازحين وتحت إشراف هيئات الإغاثة.
الأمر الثاني: ستزداد اللغة التواصلية «اللغة العربية والثقافة الإسلامية» حينما تضعف فكرة أن الشمال هو العدو لأنه الآن دولة مستقلة.
الأمر الثالث: أن البيئة حولهم الخارجية ستتجه الآن للتعريب والأسلمة والنادي شرق الأوسطي. الآن مدينة «ممبسا» التي يريدونها ميناءً بديلاً هي مدينة عربية إسلامية، وإثيوبيا الآن تتجه إلى النادي شرق الأوسطي، وتشاد تريد أن تنضم إلى جامعة الدول العربية. فلذلك سيجدون نفسهم في بيئة شرق أوسطية.
{ هل سيكون المسيرية في نهاية المطاف كبش فداء؟
ليس من المطلوب أن يكونوا كبش فداء، بل يجب أن يكونوا منارة في هذه المنطقة إذا أعطوا جزءاً مقدراً من عائدات البترول وأصبحت هنالك جامعات وأصبحت هنالك شركات وانتقلوا من الرعي التقليدي إلى الرعي الحديث حيث المزارع المتكاملة والمراعي المتكاملة؛ سيجدون أن أبناء أبيي يهاجرون إليهم طلباً للعمل وطلباً للخبرة وطلباً للتفاعل.
{ هل ثمة ضوء في آخر نفق أبيي؟
ستُحل الأزمة بعد زمن، بعد أن يذهب الجيل الحالي من أبناء أبيي الذين عاشوا في الولايات المتحدة وسيدركون أنهم في نهاية المطاف لن يكونوا مواطنين أمريكيين. فأبناء فرانسيس دينق والجيل القادم لابد أن يكونوا مشدودين إلى أبيي وحتى أبناء وزير الخارجية السابق بالرغم من كونه متزوجاً من إثيوبية؛ سيكون أبناؤه مشدودين إلى أبيي، كما هو حال النخب، وأيضاً الذين تزوجوا أوروبيات والذين تزوجوا شماليات ومن تشاد وغيرها من المناطق متأثرون الآن بآثار الحرب. وكل هذه التأثيرات تأثيرات اللحظة الحالية وستقل مع مرور الزمن.
{ بروز تيار انفصالي قوي وسط النخبة الإسلامية يحتاج إلى تفسير؟
للأسف الشديد هنالك قصر نظر عند الكثيرين من قيادات المؤتمر الوطني؛ لأن السودان أصلاً أرض هجرات، به (132) قبيلة مشتركة وهذه ال(132) قبيلة مشتركة تمثل حوالي (30%) من مجموع سكان السودان؛ بمعنى أن من كل ثلاثة سودانيين هنالك واحد إما من الرشايدة «اللي هي سعودي سوداني»، وإما من العبابدة والبشاريين «مصري سوداني»، وإما من البجا «إريتري سوداني»، وإما من بني شنقول والقُمُز والبرون «حبشي سوداني» والأودوك والأنواك، وإما تبوسي «كيني سوداني»، وإما من المادي والأشولي «يوغندي سوداني»، وإما من الباندا والزاندي «كنغولي سوداني»، وإما من القرعان والزغاوة وغيرهم «ما بين السودان وتشاد وأفريقيا الوسطى». ولذلك فمن بين كل ثلاثة سودانيين هنالك واحد من أبناء قبيلة ومن كل ثلاثة سودانيين هنالك أيضاً نسل سوداني قادم من وراء القبائل المشتركة، مثل الهوسا والفولاني وغيرها من قبائل أفريقيا الوسطى، التي يصل تعدادها الآن إلى ما لا يقل عن (7) ملايين موجودة في الجزيرة وامتلكت الأرض وموجودة في كسلا وموجودة في جنوب السودان وموجودة في دارفور. إذاً، نصف السودانيين هم مهاجرون وحتى السودانيون الموجودون ليسوا موجودين في مناطقهم، الآن أين الحلفاويون والنوبيون؟ في خشم القربة وفي الخرطوم. وأين الدناقلة والشايقية؟ منتشرون في كل السودان وكذلك البديرية وغيرهم. ولذلك الآن هنالك حركة تفاعل وتمازج وتداخل سكاني.
{ السودان يشهد مخاضاً وتحولات كبرى، والبعض يتخوف على مستقبل البلد؟
أنا أعتقد أن السودان الآن دخل مرحلة النضج وأن السودان كل تناقضاته في الخارج وفي الصحافة، وهنالك وعي شديد بين السودانيين سواء أكانوا انفصاليين أو اتحاديين أو لا مبالين بالقضايا. والمواطن السوداني أصبح مواطناً عولمياً موجوداً في أمريكا في كندا في الخليج في مصر. الموروث القديم يتفاعل مع الموروث الجديد. أعتقد أن هنالك وعياً كبيراً جداً في السوان وسط العسكريين ووسط الأمنيين ووسط المثقفين بقضايا السودان وبتنوع السودان وبوضعية السودان، وكذلك فإن السودان بالنسبة للنادي العالمي قطر نامٍ وعليه أن يعرف حدود قدراته ووضعيته في هذا النادي العالمي. هذه العوامل كلها ترجح أن تكون السياسات في المرحلة المقبلة أكثر رشداً.
{ حجج قوية يسوقها التيار الانفصالي الشمالي وانطلق خلفها الكثيرون. هل يمثل ذهاب الجنوب فرصة حيوية لسودان آمن ومتعايش في سلام؟
هذا نتيجة للإحباط ونتيجة للخوف ونتيجة للمعاناة، ولكن التاريخ لا يصنعه الانفصاليون. التاريخ دائماً يصنعه الوحدويون. يعني حتى ولو فشل الوحدويون في اللحظة فإن اتجاه التاريخ أبداً للوحدة. يعني في الجزيرة العربية لو كانت الثقافة الإسلامية منقادة لحركة الانفصاليين لما وصلت إلى أسبانيا والمغرب والصين وغيرها، ولو كان الانكفاء والعزلة لما توطَّن العرب والإسلام في غرب أفريقيا وأصبحت نيجيريا ثاني كيان إسلامي على مستوى تعداد المسلمين. عدد المسلمين في نيجيريا أكبر من عدد المسلمين في مصر. ولذلك الآن التاريخ يحفظ «بسمارك» لأنه كان أساس الوحدة الألمانية ويحفظ من صنعوا وحدة إيطاليا ولكن التاريخ لا يتكلم أبداً عن الانعزاليين. والآن حتى في العالم العربي عبد الناصر رغم أنه مسؤول عن هزيمة يونيو 67 أكبر كارثة ألمت بالعرب ولكن تشفع له وحدويته ورؤيته الواسعة والناس يتكلمون الآن عن سوكارنو وعن نهرو لأنهما دعاة إلى العالمية. الانعزاليون أصواتهم صغيرة لأنها تتجه إلى الداخل ولا تتجه إلى الخارج.
{ يقولون إن انفصال الجنوب سيخفف العبء عن الشمال ويحمي بيضة الإسلام؟
أي بيضة لهذا الإسلام؟ الإسلام الآن والثقافة العربية ينتشران حتى جنوب أفريقيا. ولذلك الانغلاق يعني أن يكون هناك الإسلام لا يعرف النقاء العرقي أو النقاء الثقافي أو النقاء اللغوي. الثقافة الإسلامية كانت تقوم على التفاعل مع الفرس والتفاعل مع النوبة والتفاعل مع العرب والتفاعل مع القبط والتفاعل مع كل الكيانات، وكانت عابرة للحواجز الجغرافية والسياسية، هذه حواجز وهمية والناس دائماً يخلطون، ليس هناك جنوبي شرير وشمالي ملائكي، هؤلاء كلهم بشر ولكن هنالك أحياناً خيارات سياسية مختلفة وصراعات. ورأينا الآن الصراعات بين الصوماليين، فرغم النقاء العرقي والنقاء الديني والنقاء اللغوي، لكن أشد الحروب الآن هي بين الصوماليين أنفسهم أبناء المملكة الإسلامية. وفي الجنوب كانت الحروب دائرة بين أبناء الجنوبيين أنفسهم. وفي الشمال الصراع بين مؤسسي الحركة الإسلامية وذهبوا إلى العدل والمساواة ويقتلون في إخوانهم وإخوانهم يقتلون فيهم. فإذاً هذه الصراعات ليست لها علاقة بالمشاريع الكبرى.
{ هل سيكون 9/يناير/2011م تاريخاً لقيام الاستفتاء في الجنوب؟
حتى لو قام أشك في أن (60%) من الجنوبيين سيصوّتون في هذا الاستفتاء؛ لأنهم بالكاد ذهبوا إلى التسجيل، إلا أن يكون استفتاءً مضروباً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.