{ الفضائيات العربية والأجنبية التي هبطت علينا بكثافة هذه الأيام، قد جاءت لتحتفي وتوثق حالات انشطاراتنا، ولها أشواق لما بعد الانشطارا، بحيث يصلح لها تماماً مثلنا الدارجي الذي يقول «البوم البعجبو الخراب»، فمصائب قوم عند قوم فوائد. { والرئيس البشير في لقائه الشهير بجوبا قد تطرق لهذه الفضائيات فيما قال: «لقد هبطوا علينا بكثافة أيام الانتخابات ليصوّروا حالات الاقتتالات والمجازر، وعندما لم يحدث ذلك «لملم الجماعة عدتهم وسافروا»». ويضيف البشير: «وسيخيّب الشعب السوداني هذه المرة آمالهم» و... و.... { وتلك المذيعة التي كانت تترك معظم ثيابها في البيت وتأتي إلى الاستديو؛ في ذلك اليوم أتت بمعظم ملابسها، بحيث لم يبقَ منها إلا الرأس حاسراً، ربما تصوّرت أن اللقاء هذه المرة مع رئيس الجمهورية الإسلامية السودانية. { قال، وهي تبدو في عجلة من أمرها لتصل إلى مربع الفتاة التي جُلدت في الخرطوم وتولّت كِبر تشهيرها وتصويرها قناة الجزيرة نفسها، قالت: «ألا تعتذرون عن جلد تلك الفتاة»؟ وكانت صدمتها بالغة والرئيس يقول لها: «نحن قطعاً لا نعتذر عن تطبيق حد من حدود الله». أضافت: «أتودون تطبيق الشريعة الإسلامية»؟ ، قال: «إن الإسلام هو مصدر التشريعات في السودان». { ورأت قناة الجزيرة التي تبدو كما أنها تُجلد هي الأخرى بهذه الأجوبة من ذوات «القطع الأخضر»، رأت أن تهرب باتجاه المحكمة الجنائية لعلها تستطيع أن توقف زحف الرئيس وتعتقله في هذه المحطة، وهي تقول: «ألا تخشون ملاحقة المحكمة الجنائية»؟ الرئيس يجيب بذات القطع الأخضر: «نحن قطعاً لا نخاف الجنائية وهي محكمة سياسية وواشنطن نفسها التي تموّلها وتحرّضها لا تؤمن بها ولم توقع على برتوكولاتها، والأفارقة اكتشفوا أنها محكمة صُممت خصيصاً لمحاكمة أفريقيا واستعمارها لذلك فهم يقاومونها بقوة». { وفي «فضائية الحرة» الأمريكية العراقية، يقول الناطق الرسمي للحركة الشعبية: «نحن لم نتخلَّ عن قطاع الشمال، وستكون هنالك حركة شعبية بالشمال بعد الانفصال تعمل لصالح السودان الجديد». وممثل المؤتمر الوطني في تلك النسخة من الحلقات كان عاقلاً وحصيفاً وهو يقول: «إن أي حزب يحتاج إلى تمويل فكري ومادي لينهض. فالحركة الشعبية، وهي تتبنى الانكفاء على الجنوب، قد هزمت أطروحاتها الفكرية. كما أننا لن نقبل «بحزب تموّله جهات أجنبية». ويقطع هو الآخر بقوله: «لن تكون هنالك حركة شعبية بالشمال بعد الانفصال». { وعربية السيد عبد الرحمن الراشد لا تفتأ تحتفي بتصريحات السيد باقان أموم وهو يسعى لإعادة إنتاج أزماته الداخلية ثم تصديرها إلى الشمال، وهو يقول: «إن الوحدة فشلت لأن دولة السودان فاشلة»، ثم يتهم المؤتمر الوطني بأنه يقف وراء متمردي الجنوب الذين يقاتلون جيش الحركة الشعبية. وستثبت الأيام والممارسات من هم الفاشلون، والعالم كله، حتى الاصدقاء الساكسونيين، يخشون من قيام دولة فاشلة جديدة في هذا القرن الأفريقي المضطرب. { فالذي أعرفه تماماً، والحديث لمؤسسة الملاذات الجناح الفكري والإستراتيجي، أن الانفصال سيقع لا محالة، وأن الإخوة الجنوبيين سيذهبون في حالات احتفالات باهظة وصاخبة بالاستقلال، ثم لمّا يفيقون من سكرة تلك الاحتفالات سيدركون الواقع المرير وشعب بأكمله يرزح في العراء ويحتاج إلى المأوى والمأكل والمشافي والمدارس، وسيفقد السيد باقان أموم يومئدٍ «شماعة المؤتمر الوطني الفاشلة». عليه أن يجيب على أسئلة القادمين الجدد والقدامى. { فليس بالتصريحات والأعلام والأناشيد الوطنية تُصنع الدول، وسيدرك الإخوة الجنوبيون الذين ينساقون إلى هذا المصير المجهول؛ زيف الذين ينادونهم من وراء البحار، وأن الشمال هو الأكثر وفاءً واحتضاناً ودفئاً وأماناً.