وصلاً لزاوية الأمس التي ابتدرنا فيها عرضاً عاماً عن ظاهرة ارتفاع الأسعار التي تضرب العالم، وقد دخلت الأردن أمس الأول قائمة الدول التي تشهد تظاهرات بسبب الغلاء، وقد تساءلنا ابتداءً عن سبب هذه الظاهرة في بلادنا، وهل للدولة دور في ذلك؟ وما حجم هذا الدور؟ ومن خلال زاوية اليوم نجيب على أسئلتنا بما يفتح الله علينا من معلومات، لن تعجز من يبحث عنها وهي كافية لإطلاق أحكام، وهذا ما نشرع فيه. بعد تسليمنا بأن العالم كله يعتمد على عدد محدود من السلع في غذائه وعلي خدمات بعينها في حياته العصرية التي يعيشها، بمعنى أن الناس في كل مكان من الأرض يتنافسون للحصول على سلع وخدمات محددة، وهذا ما يدفع بنا للنظر إلى الاقتصاد العالمي وهل هو مستقر أم يعاني من أزمات، فإن كان يعاني فإن بلادنا ستتأثر بذلك، وإن كان مستقراً فإن الحكومة والعوامل الداخلية هي التي يجب أن تتحمل مسؤولية هذه الظاهرة. الاقتصاد العالمي يعاني من أزمة مالية، ليس في ذلك شك، وكذلك يعاني من نقص في الحبوب وبالذات القمح، بسبب موجة الجفاف التي ضربت الأرجنتين، وهي من المسهمين الفاعلين في تجارة القمح الدولية، وكذلك حرائق روسيا التي تسببت في إتلاف مساحات واسعة من الأراضي المزروعة قمحاً، بالإضافة إلى أن الصين والهند -وهما الدولتان اللتان تتصدران الإنتاج العالمي- تستهلكان كل إنتاجهما. هذا ما نفصل فيه عند تحليلنا لأوضاع سلعة القمح في زاوية نخصصها لكل سلعة، ويُدعم حكمنا بأن للأزمة العالمية ونقص الحبوب سهماً في ظاهرة الغلاء التي تضرب بلادنا؛ تلك الانهيارات الاقتصادية التي ضربت اليونان وتضرب إسبانيا وبريطانيا، وموجة الغلاء تدفع بالجماهير لتخرج إلى الشارع في عدد من البلدان، كلنا نشاهد المظاهرات العنيفة في الجزائر وتونس والأردن والأسعار تتصاعد في كافة الدول، ولك عزيزي أن تسأل أي مغترب عنها في المملكة العربية السعودية، وسوف يقول لك إن سعر جوال الأرز قفز إلى ثلاثة أضعافه، وهذا كله يؤكد حقيقة عالمية الأزمة وأن السودان ليس بمعزل عنها. تتحمل الحكومة والعوامل الداخلية سهماً كبيراً في ارتفاع الأسعار وسعر الصرف، ولن نسلم أبداً بأن الأزمة العالمية ونقص الحبوب هما وحدهما وراء ظاهرة الغلاء، وذلك تحديداً في السياسة الخاطئة التي انتهجها بنك السودان بتحفيز المتعاملين في سوق النقد الأجنبي، التي أسهمت في ارتفاع أسعار العملات الأجنبية، وبالتالي في أسعار السلع، وكذلك تدخل عوامل داخلية أسهمت في ظاهرة الغلاء، منها الندرة في بعض السلع وهذا تتحمله الدولة وسياساتها، وهناك جشع بعض التجار وقد شاهدنا عبر التلفاز وقرأنا في الصحف عن العثور على مخازن بها كميات كبيرة من السكر مخزنة بغرض ارتفاع أسعارها، أو في انتظار تهريبها، لا سيما أن عمليات التهريب تنشط بشكل مزعج بسبب ارتفاع أسعار السلع المهربة في بعض دول الجوار عما هي عليه بالبلاد. لعب الظرف السياسي دوراً كبيراً وبالذات الاستفتاء وما ستنجم عنه من تطورات واحتمالات شجعت الكثيرين على تحويل مدخراتهم إلى العملات الأجنبية، التي صارت مخزناً للقيمة في ظل مخاوف من انهيار كامل للبلاد ولاقتصادها، وهي مخاوف تتكرر مع كل حدث سياسي كبير، مثلما حدث قبيل الانتخابات الفائتة. بذلك خلصنا إلى تشخيص الأسباب التي تقف وراء ظاهرة الغلاء، وتأكد لنا أن أطرافها الاقتصاد العالمي وأزماته التي تضربه، والحكومة في الخرطوم التي أخطأت في سياستها بتحفيز المتعاملين في سوق النقد الأجنبي، والشعب هو أيضاً شريك في الظاهرة فمن داخله من يحتكر ويرفع السعر ومن يشتري بذات السعر ومن يهرب ومن يصاب بالهلع غير المبرر مرة بعد مرة، فيحول مدخراته للعملات الأجنبية... سنواصل.