{ المواطن تتقاذفه المخاوف وهو يتعرض لضغط كبير بسبب حالة الغلاء وهى بالتأكيد تحرم قطاعات واسعة من الشعب من بعض الضروريات ولفئة أخرى ربما من الضروريات كافة فى ظل ارتفاع مخيف فى الأسعار وبذلك نقر بأن هناك مشكلة تحتاج أولا من الدولة الإقرار بها ومن ثم حسن إدراكها لكافة مسبباتها وتفاصيلها ومن ثم حسن تخطيطها لتجاوزها وسلامة الأداء فى تطبيقاتها وقبل كل ذلك تحمُّل الدولة لمسؤولياتها كاملة والعمل بكل جد. { بعيداً عن العاطفة نزحف نحو هذه المشكلة نقلّب صفحاتها ونقرأ سطورها سطرا سطرا وإبتداءً نبدأ بالمسلمات ونسلم بأن هناك أزمة مالية عالمية وهناك أزمة غذاء ستستمر حتى 2015 م ونقص حاد فى الحبوب فى ظل تحول فى السلوك الغذائي للمواطن السوداني وقد أصبح يتغذى بذات الأنواع التى يتغذى بها الإنسان فى المجتمعات الأمريكية والأوروبية من قمح وفراخ ولحوم مصنعة وحلويات وفاكهة ولم تعد المائدة فى السودان تختلف عن المائدة فى تلك المجتمعات فى ظل عولمة الغذاء التي وصلت بالسودان الى مليوني طن من القمح يستهلكها السودان سنويا فتراجعت حظوظ الذرة السيدة السابقة لمائدتنا والدولة تعلم أنه ليس هناك حلول فى الأفق لإنتاج تلك الكمية من القمح فى ظل البيئة السودانية الحالية وعجز البحوث الزراعية، الى الآن، عن الوصول الى أنواع من القمح تحتمل الحرارة العالية وإلا فإن الحل الوحيد الممكن هو مضاعفة إنتاج الذرة وتصديرها واستيراد القمح بما تعود به من عملات وذلك فى حالة بقاء السلوك الغذائي على حاله مستسلما للقمح لاسيما وأن أسعار الذرة العالمية بدأت فى الصعود لتصل الى (250) دولار للطن في مقابل (400) دولار لطن القمح. أما أسعار السكر العالمية فإنها أعلى بكثير من أسعاره ببلادنا، فمثلا سعر جوال السكر بتشاد التي تجاورنا ب(80) دولارا ولذلك يغري سعر الداخل على تهريب السكر الى الدول المجاورة وليس هناك من سبيل لحل هذه المشكلة إلا بتحرير سلعة السكر لتباع بالسعر العالمي بدلا من (43) دولارا فى السودان وهذا ما لا تريد الدولة أن تفعله وتكتفى بإجراءات الأمن الاقتصادي لمحاربة التهريب والتخزين الذى يسبق عملية التهريب أو حتى عملية التلاعب بالأسعار وصولا لأسعار أعلى بكثير من السعر الذي تحدده الدولة باعتبارها المنتجة لهذه السلعة وهى (135) جنيها في حده الأعلى. { نعود للمسلمات ونسلم بأن هناك ارتفاعا غير مبرر فى أسعار الدولار الذي أصبح مخزنا للقيمة ليقفز الى (3.5) جنيهات ثم يهبط الى (3.1) بعد الإجراءات المستمرة للأمن الاقتصادي والتي نتوقع نزول الدولار بسببها الى سعره الحقيقي (2.7) جنيه، في الوقت الذي يتعرض فيه الدولار لعمليات تهريب الى الجنوب بكميات كبيرة ومدمرة تستوجب تلك الإجراءات، كما أن بعض المواطنين يلجأون الى استبدال العملة المحلية بالدولار للحفاظ على القيمة بسبب مخاوف ستتبدد بعد زوال الأسباب وعلى رأسها المخاوف المتصلة بالانفصال، وهى أسباب عارضة يجب ألا تحدث مثل هذه الآثار لاسيما وأن الدولة تتجه بكلياتها لاستعواض الفاقد في الموارد وبالذات عائدات النفط وأمامها سبعة أشهر لتقفز بمواردها وعائداتها والنتائج بدأت من الآن تترى بإضافة ثلاثين ألف برميل من حقل (بليلة) تضاف الى نفط الشمال وهناك عدد من الآبار جاهزة في منطقة (الراوات) بالنيل الأبيض وستتواصل عمليات الحفر فى عدد من المربعات بالشمال، ومستقبل الغاز فى الشمال سيكون بإذن الله مبهرا وهائلا، أما الذهب فإنه يحقق معدلات جيدة حققت من يناير الى نوفمبر (899) مليون دولار ويتوقع خبراء اقتصاديون وصول عائدات الذهب فى العام 2011 م الى ثلاثة مليارات دولار. { ومن المسلمات المشروعات التنموية الكبيرة والكثيرة وهي قطعا سيكون لها تأثيرات سالبة على شاكلة ارتفاع سعر الدولار وما يترتب عليها من مضاعفات متمثلة فى الغلاء ولكنها على المدى الطويل ستستقر بالاقتصاد السوداني وتجعله يتعافى تماما من العوارض، والصورة لذلك تبدو أكثر وضوحا فى سلعة الأسمنت وقد ساهمت المصانع التي أنشئت فى كفاية البلاد منه وبالتالي المحافظة على العملات الصعبة التي كانت تتسرب الى الخارج لتوريد الأسمنت وبالإضافة لاستقرار أسعاره فى حدود المعقول تقريبا وتمضي ذات المعالجة فى سلعة السكر والبلاد ستفتتح فى 11/11/2011م الساعة الحادية عشرة مصنع النيل الأبيض للسكر. { بهذه الترتيبات الجارية تكشف الدولة عن إدراك عميق للمشكلة وربما قبل أن تستفحل والدليل على ذلك اكتمال الترتيبات قبل استفحال المشكلة كما هو الحال في الأسمنت وما يجري فى سلعة السكر والخطوات المتسارعة في نفط الشمال وقد بدأ يدخل دائرة الاستعواض قبل خروج نصيب الجنوب من خزينة الدولة وفي كل يوم تتسع دائرة الاستعواض ذهبا ونفطا وأسمنتا وسكرا وستدخل الحكومة العام القادم بسياسة ترشيد وضبط المصروفات وهذا سيضيف للمعادلة العامة في البلد. { بما أن الدولة تدرك المشكلة وتحسن التخطيط والتطبيق وتمضى مطمئنة؛ فإن المواطن هو الآخر يجب أن يدرك المشكلة وأن يدعم المعالجات الجارية في حدها الأدنى الالتزام بالشراء بالسعر المحدد بالذات لسلعة السكر وألا يستجيب لجشع التجار وينزلق في تجارة العملة وأن يصبر على العلاج وهو يشهد سقوط الكبار من دول أوروبا.