{ لا تنتطح عنزتان في أن الاتحاد العام للصحفيين السودانيين في نسخته التي يديرها الدكتور محيي الدين تيتاوي، أستاذ الإعلام والصحفي المعروف، قد حقق بعض الأشواق لعضويته، ومهما يكن من أمر فقد أصبح للصحفيين عنوان ومقر ومدن. صحيح أنها مدن الحارات ما بعد المائة، على سفوح جبال كرري بأم درمان وعلى حافة مملكة البطاحين بشرق النيل، إلا أن هذه المدن المئوية لم تكن متاحة في غابر الاتحادات فضلاً عن المكتسبات الأخرى. { غير أنني هنا لست بصدد دفع اتحادنا الموقر لإنجاز مهمة خاصة بقبيلة الإعلاميين، لطالما أننا نعيش بامتياز مواسم القضايا الوطنية الكلية، ومن غير «سلاح الإعلام» من يفتح طرقات الأمل والمستقبل ويقود الأمة «والرأي العام» في الطريق الصحيح. { سيدي الدكتور تيتاوي، لقد ظل هذا القلم منذ فترة طويلة مهموما ومشغولا للآخر بأمر الزراعة، على افتراض أننا كأمة سودانية، تمتلك الأرض البكر والماء العذب والسواعد والموانىء والأسواق، كما لو أننا بعثنا لنملأ الأرض زرعاً وخضرة، وأن مشروعنا الأصلي والطبيعي هو «المشروع الزراعي» وبناء السودان الأخضر، فضلاً عن أن أشواق التحرر والانعتاق وصناعة المشروعات القيمية تصبح ضربا من المستحيل إن لم تستطع أن تحرر قوتك. { سيدي الدكتور تيتاوي.. يقرأ ذلك مع إشارة باهظة التكاليف وردت في خطاب السيد وزير المالية الأخير، بأن السودان بالكاد الآن وبعد عقدين من الإنقاذ، يمتلك عشرة بالمائة فقط من غذائه، وفي المقابل يستورد تسعين بالمائة من القمح الذي يستهلكه، إنها لعمري جريمة ترقى لدرجة استدعاء كل وزراء الاقتصاد من لدن البروفيسور قنيف حتى الدكتور المتعافي ومساءلتهم أمام الأشهاد، ولا تحدثونني عن استخراج النفط ولا عن إقامة السدود ولا عن ثورات الطرق والاتصال والكهرباء، لأن خلاصة الأمر أن يكون الحصاد قمحاً، ما قيمة كل تلك الطاقات إن لم تكن في خدمة المشروع الزراعي؟! إن واحدة من مصائبنا الكبرى أننا جعلنا النفط سلعة تباع في عرض البحار لنغطي بأثمانها وإيراداتها «عجز تخطيطنا» وسوءات تدبيرنا، ولما انكشف سر النفط الآن بدت سوءات الإنقاذ مكشوفة للعيان. { سيدي الدكتور تيتاوي.. إن اقلامنا الأحادية مهما أوتيت من عبقرية فإنها لن تستطيع أن توفر الدعم الأدبي لقيام ثورة زراعية عارمة بطول البلاد وعرضها، وذلك بعد أن نتجاوز نكبات «النفرة والنهضة» اللتين أصبحتا تدوران في حلقات مفرغة، بحيث يصبح المطلوب من اتحادكم الموقر، وعبر «أجهزة الصحافة» وجبروتها ومقدرتها في صناعة الرأي العام، أن يتبنى «ثقافة تحريض الأمة السودانية» كلها حكومة وشعباً «لمشروع العودة إلى الأرض»، إلى الطبيعة، إلى الحياة، إلى الجذور وإلى الأصول، كأن تجتمع سيدي «برؤساء تحرير» وفق رؤية مدروسة ومتقنة، قليلة الكلام كثيرة الآمال، لدفع الأمة في هذا الطريق، على أن نقلل من الجرعات السياسية لصالح مشروع السودان الأخضر، كأن تنهض في كل صحيفة «صفحة خضراء» لنفتح دفاتر الاستثمار الزراعي من الأول إلى الآخر، أن يكون السودان مفتوحاً أمام الأشقاء المصريين والإخوة الخليجيين والأصدقاء الآسيويين للزراعة ولا شيء غير الزراعة. { سيدي الدكتور تيتاوي، الرأي عندي، وبعد انتهاء عزاء مراسم الانفصال أن نذهب للحقول لنزرع ونزرع ونزرع، لنأكل أولاً ثم يأكل إخواننا الذين من حولنا، على أن نشارك بقوة في تحرير غذاء وقرار هذه الأمة. { لن تكون لنا ولأمتنا مكانة معتبرة في هذه «الغابة الكبيرة» المليئة بالذئاب و«الأممالمتحدة علينا» إن لم نحرر أقواتنا.. والسلام.