{ وهي في الغالب تابعة للمحليات أو المستشفيات، (يعني الحكومة)، وأُنشئت على نفقة المال العام لتوفير حياة كريمة للناس، بحيث يتمكنون من ممارسة حياتهم الطبيعية وقضاء حوائجهم الفطرية بصورة إنسانية متحضرة، ولكن «هيهات»، وقارنوا بالله عليكم بين حمامات المساجد والمشافي والمواقف العامة في بلادنا وبين تلك المتوفرة في بلاد غير بلادنا، بل يمكنكم أن تعقدوا المقارنة بينها وبين حمامات العصور الوسطى أو صدر الإسلام أو الدول الإسلامية بعده. { لقد كانت الأمة الاسلامية القديمة من أنظف الأمم، لأن الدين الإسلامي يحث دائماً على النظافة والطهارة ويحب الجمال، وهذا يبدو جلياً في عدد الحمامات القائمة حتى الآن في العديد من المدن الإسلامية التاريخية، وما هي عليه من روعة في التصميم الهندسي والجماليات والزخارف رغم أنها لم تكن حمامات قصور ولا خلفاء ولا أمراء وإنما حمامات (عامة) مقامة في الشوارع والمفارق ومتاحة للجميع، وحتى السيدات خصصت لهن منذ (الأزل) حماماتهن الخاصة المؤمّنة. وقد كان الاهتمام بهذه الحمامات يصل حد الرفاهية والدعة، وبينما كان المسلمون مولعون بالهندمة والطيب كان الفرنجة حينها يستحمون مرّة أو مرتين في العام. { وبالنظر لكل الآثار المنتشرة في بلاد الأندلس وتركيا ومصر وغيرها نجد لوحات من الجمال المعماري والتصميم الفاخر في كل حمام بحيث ظلت قائمة حتى الآن وصالحة للاستعمال. أما الآن، فحدّث ولا حرج، ففي معظم حمامات المرافق العامة انتهاك للإنسانية، والجميع يمارسون قدراً من سوء التصرف والجهل المتعمد أحياناً دون أدنى إحساس بالحرج أو حتى القرف، بحيث لم يعد بالإمكان معرفة من المسؤول عن كل هذا الكم من القذارة الذي تنفر منه الطبيعة البشرية، فلو أننا ألقينا باللائمة على الجهات المعنية بتوفير طاقم من عمال النظافة للعناية الدورية بهذه الحمامات فسيكون تبريرهم المقنع والبسيط لكل هذا السوء هو ما يقوم به المواطن المستخدم نفسه من سوء استعمال ولا مبالاة وعدم اعتناء، وللعلم فإن الاهتمام بالنظافة الشخصية لا يتعلق بالمستوى المادي ولا التعليمي ولا التربوي، لأنه ببساطة قائم على الفطرة، وكم من فقراء معدمين في غاية الهندمة والنظافة يعتنون بمساكنهم البسيطة بأناقة، وكمن من منعمين غارقين في الخيرات تنفر النفس من مظهرهم وبيوتهم على حالٍ مذرٍ من القاذروات وعدم التناسق رغم ما بها من أثاث ورياش. { ويبقى السؤال، كيف السبيل إلى حمامات عامة نظيفة وإنسانية تضوع منها رائحة الطهارة أو حتى المنظفات؟ وتلك الحمامات التي يتم الدخول إليها بمقابل مادي فيم تنفق مدخلاتها اليومية لو لم يكن في أمر نظافتها وصيانتها الدورية؟ وكيف يتجاوز أحدنا إحساس الاشمئزاز الفطري ليأتي بهذا السلوك غير الحميد الذي يتسبب في إيذاء غيره على اعتبار أن الفاعل سيبقى مجهولاً بالنسبة لهم، ألا يعلم أن الله يراه؟ أم أنه يعتقد أن لا جُرم ولا ذنب في ذلك؟ وكيف لا تنفر نفسه من سلوكه؟ { إن أمر هذه الحمامات العامة المؤذية ينسحب على العديد من المرافق العامة، وفيه إهدار وانتهاك للمال العام والحريات الشخصية، فمن حق الجميع أن يتمتعوا بالحد الأدنى من النظافة ويمارسوا انسانيتهم باحترام بدلاً عما نكابده الآن من (طمام) وقرف واستياء، ونبدأ في صب اللعنات على الحكومة وغيرها ممن نعتقد أنهم مسؤولون حتى عن توفير حمامات نظيفة لاستعمالنا العام دون أن نتذكر أن الجزء الأكبر من المسؤولية يقع على عاتقنا كمستخدمين علينا أن نتحلى بالسلوك الحميد الحضاري ونتقي الله في عباده. { تلويح: «من نظف ثوبه زال همه.. ومن طاب ريحه زاد عقله»، لهذا نمضي للوراء ولم يعد بيننا الكثير من العلماء.