يتفق معظم نقدة الشعر ونقاده، على أن أجمل ما قيل في أثر العيون على القلب المشبوب عاطفةً؛ هو ما قاله جرير: إِنَّ العُيونَ الَّتي في طَرفِها حَوَرٌ قَتَلنَنا ثُمَّ لَم يُحيِينَ قَتلانا يَصرَعنَ ذا اللبّ حَتّى لا حراكَ بهِ وَهُنَّ أَضعَفُ خَلق اللهِ إنسانا ولكن ما قاله سرّ العربية وأشعر الناس؛ المتنبي في نظري هو الأجمل والأكثر رواء، إذ يقول: وَعُيونِ المَها وَلا كَعُيونٍ فَتَكَت بِالمُتَيَّمِ المَعمودِ رامِياتٍ بِأَسهُمٍ ريشُها الهُدبُ تَشُقُّ القُلوبَ قَبلَ الجُلودِ والمتنبي من أكثر الشعراء الذين تغنوا للعيون، حتى أرجع بعض النقاد كراهية عميد الأدب العربي؛ د.طه حسين، الواضحة له، التي رفدها في ثنايا كتابه الشهير (مع المتنبي)؛ إلى هذا السبب، وهذا الزعم مهتر لأن العميد كان أعمى بصر لا بصيرة، وهو كان يعتمد في أحكامه (على ضمير مثقف حي.. لا يحتاج إلى نظر يطوي الفيافي طيّاً)، أو كما يقول الشاعر الأعمى بشّار بن برد واحدة من طرائفه: وكاعبٍ قالت لأترابها يا قوم ما أعجب هذا الضرير هل تعشق العينان ما لا ترى فقلت والدمع بعيني غزير إن كان طرفي لا يرى شخصها فإنها قد صوّرت في الضمير وإذا كانت الأعين وبتأثير سحرها جعلت الشعراء يتغنون ويجعلونها مقياساً للجمال الإنساني؛ فإن الابتسامة الودود والنابعة من ضمير متصالح مع النفس - التي تنشأ من فم صحّي قويم الأسنان - تظل هي الأشد أثراً في تفتيت عضد القلوب المتماسكة، لذلك جاء في الحديث النبوي الشريف (تبسّمك في وجه أخيك صدقة)، وقد قال الشاعر ابن عنين: يا غَزالاً أَرى الغَوايَةَ رُشداً في هَواهُ وَأَحسَبُ الرُشدَ غَيّا ما رَأَينا قَبلَ اِبتِسامِكَ بَدرَ التَمِّ يَفتَرُّ عَن نُجومِ الثُرَيّا والفيلسوف الكبير سقراط (معلِّم أفلاطون) قد قال في ذات السياق، وهو يضع معياراً لمعرفة الأبعاد الفكرية لأية شخصية نتحدث معها (تكلم حتى أراك)، أي أنني لا أستطيع تقييم شخصيتك إلا بعد أن أتجاذب أطراف الحديث معك، والحديث الأبلج لا يحتاج إلى لسان ذرب وحده، بل إلى فم قويم تتعاون فيه أعضاؤه كما يجب. ولم تكتفِ الأسنان بمنحنا الابتسامة الودود، أو تساعدنا في فتح مغاليق الشخصيات التي أمامنا؛ بل هي تمنحنا أيضاً الذاكرة القوية، وهذا ما أكدّته الدراسة الطبية الآتية: حذّر أطباء سويديون في دراسة حديثة نُشرت في العاصمة (ستوكهولم) من مخاطر خلع الأسنان، وقالوا إنه في كل مرة يقوم فيها طبيب الأسنان بخلع إحدى الأسنان تتم إزالة جزء من الذاكرة، وأضاف الطبيب السويدي بيرجدال أحد معدي الدراسة والمتخصص في طب الأسنان: إن الأسنان تُمثل أهمية كبرى للذاكرة فحين يخلع الناس أسنانهم فإن ذاكرتهم تُصبح أسوأ من الفترة التي كانت لديهم فيها أسنان. { مصل أخير: سعدتُ أيّما سعادة وأنا أستقبل عبر تلفون العيادة - السبت الفائت - اتصالاً شفيفاً من الأخ محمد حسين حسين، وهو مصري مقيم بالسودان منذ ثلاثة أشهر، ويتابع بشغف صحيفة السودان الأولى (الأهرام اليوم)، التي قال إنها لا تقل شيئاً عن الأهرام المصرية إن لم تكن تتفوق، ويكفي أن بها مثل هذه الصفحة الإنسانية رفيعة المستوى، وسألني مستفسراً عن عيادة (الأسنان) التي تفتقدها الصفحة، وقال لي ممازحاً إنهم في مصر يولون الجانب الصحي الخاص بالأسنان اهتماماً كبيراً، ووعدته أن يكون ردي على مطي هذا العدد، وها أنا ذا أفي يا محمد بوعدي وأضم إلى الصفحة صديق الدراسة والأخ الوفي والطبيب الحاذق (أبو بكر أحمد عبد الرحيم) صاحب عيادة البكري لطب وزراعة الأسنان. وحتى الملتقى أعزائي القراء أسأل الله لكم اليقين الكامل بالجمال حتى يقيكم شر الابتذال في الأشياء.