{ يبدو أن (ياسر عرمان).. بعد أن فرغ من تقسيم السودان.. باذلاً في ذلك كل ما يستطيع - مع سعيه بما لا يستطيع - رأى.. أو أوحى إليه تفكيره (التكسيري).. أن تمتد يده إلى (قانون الشعر).. الذي هو - بالتأكيد - ليس من القوانين المقيدة للحريات..!! إنما هو (علم العروض) - إن كان قد سمع به - الذي له قواعده المعروفة.. وحتى الذين جاءوا متأخرين بالشعر الذي يسمُّونه حراً.. يتنقّلون بين (بحور الشعر) في خفّة.. لا تحس معها بأن الذي يُقال: (درَّاب).. يتساقط على أذنيك فيصيبك ب (فقدان توازن) مؤقت..!! وهناك من نظموا الشعر حتى من الأميين.. لكنهم بموهبتهم أتوا بموزون الشعر.. { الكلمات التي كتبها عرمان وسمَّاها قصيدة.. لا تحتاج إلى كثير نقد يثبت بُعدها عن الشعر، وزناً وجرساً وقافيةً.. لكن ربما ظن - وكثير من ظنه إثم - أن المعنى (النبيل) للثورة التونسية هو المهم.. وأن أهمية المضمون تستر عورة اللفظ.. وهو هنا مخطئ أيضاً.. فالإنسان عندما يعبِّر عن معنى يستخدم ما يناسب إمكانياته.. فيبدع الشعراء بالقافية والرسامون باللوحات والساسة بالخطب العصماء.. ويعبّر الصحفيون بصادق الكلام التفاعلي.. ويعبّر (عوام الناس) بكلمات صادقة، وإن كانت دارجة وبلغة بسيطة.. وحتى الأطفال يعبرون بما يناسبهم.. لكن أن تلبس ما لا يناسبك.. فهذا يجعلك (أشتر)..!! { نعود إلى كلمات عرمان التي حاول بها أن يشيد قصيدة (منفلتة).. فهو يتغزل في (بائع الخضار) الذي يعتقد - كما يعتقد الكثيرون خطأً - أنه بطل شعبي.. وكل ما أعرفه عنه أنه (منتحر).. وكلنا نعلم في ديننا الإسلامي عقوبة المنتحر.. التي لم يجعل لها الدين استثناءً.. مهما أحس الإنسان بالقهر أو الظلم أو (الغبن) أو اليأس.. وإلاَّ لأحلَّ المسلمون (القتل الرحيم).. أليس مبرَّره - كما يرى الغربيون - اليأس من الشفاء.. ألم يكن (البوعزيزي) يائساً وعاجزاًَ؟ { يبدو أن عرمان.. أحد عرّابي قيام (السودان الجديد).. يبكي ثورته التي أراد بها سوداناً علمانياً.. ويتمنى لو أنها حدثت سريعاً.. كما حدث في تونس..! هل تعلم - يا عرمان - لماذا نجحت الثورة في تونس..؟ لأنها - ببساطة - بعيدة عن السياسيين (المتاجرين).. كانت ثورة صادقة.. من الشعب إلى الشعب.. لم يكن لها (عرَّابون) ذوو أجندات.. ولا عملاء.. { (محمد البوعزيزي) احترق - كما قلت - وهذا صحيح - على حدّ ما فعل.. وأضاء - كما قلت أيضاً.. بناء على اعتقاد من يظنون أنه مفجر الثورة.. ولكن ماذا عن الذين احترقوا.. ولم يضيئوا..!؟ { وقع الانفصال.. واحترق قطاع الشمال.. ولن يضيء.. واحترقت يا عرمان.. ولم ولن تضيء.. فعليك البحث عن (كلمات) لنعي المشروع.. بعيداً عن الثورات المقدسة.. الحقيقية..! محطات { بعد إشادتنا الأسبوع الماضي بأطباء طوارئ مستشفى أحمد قاسم.. الذي أسميناه (جنّة الأطفال).. يأبى قطاع الصحة إلا أن يثير إعجابي بموقف آخر.. وهذه المرة على الصعيد الإداري البحت.. إذ وجدت من السيد حسن فضل المولى، المدير الإداري بمستشفى بحري.. تعاملاً وتفهماً قلّ أن تجد مثله.. ولفت نظري التطوُّر الهائل للمستشفى في السنتين الأخيرتين.. إذ كان آخر عهدي بها إطلاق صغيري (عماد) صرخة الميلاد داخلها.. ووقتها بدت لي الخدمة - مقارنة بالإمكانيات الصحية ببلادي - أفضل ما يمكن.. لذا أتوقع أنها الآن - بعد عامين - على أبواب المثالية.. إذا تواصل الدعم الكامل لإكمال مشاريعهم الطموحة.. وفيها أكبر عنبر للجراحة في العاصمة.. أعانهم الله وجزاهم خيراً.