{ بلغ الشعب التونسي ذروة معاناته.. وأوج انفعالاته.. وكان في حاجة إلى شرارة تشعل فتيل انفعاله.. لينفجر.. وقد كان.. عندما أحرق (محمد البوعزيزي) نفسه.. منتحراً.. وتلقَّف الملايين الموقف.. ووجدوا في احتراقه ما يبتغون.. لكن: هل نعتبر البوعزيزي مفجِّر ثورة تونس؟! الإجابة: لا!! وهل ما فعله صحيح ويمثل مصدراً للفخر له ولأسرته؟! الإجابة أيضاً: لا!! { يقول الله تعالى في كتابه العزيز: (لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي كَبَدٍ).. فابن آدم معرَّض في حياته لابتلاءات لا بدَّ منها لاختبار إيمانه.. ويقول تعالى: (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ولا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ). وورد في الحيث: قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: (اجتنبوا السَّبْعَ المُوبقات). قالوا: وما هُنَّ يا رسولَ الله؟ قال: (الشِّرْكُ بالله والسِّحْرُ وقتلُ النفسِ التي حَرَّمَ الله إلا بالحَقِّ وأكلُ الرِّبا وأكلُ مال اليتيم والتولِّي يومَ الزَّحْفِ وقَذْفُ المؤمناتِ الْمُحْصَنَاتِ الغافلات) - رَوَاهُ البُخَارِيُّ ومسلم. { أخطأ البوعزيزي - غفر الله له - كما أخطأ من مجَّدوه.. أمَّا خطؤه.. فلأنَّه ابتلُي ولم يصبر.. فهو يائس رأى في الموت مخرجاً له.. ناسياً أنَّ الدنيا دار ممر.. والآخرة هي المستقر.. ولا يمكن أن نجعل من اليأس - مهما بلغ - مسوِّغاً للانتحار.. فلسنا كبعض الدول التي أقرَّت ما أسمته (القتل الرحيم).. حيث يمكن لليائس - وهو بالطبع ليس مؤمناً - أن يقرر إنهاء حياته.. { وأخطأ من مجَّدوا البوعزيزي.. بأن جعلوا منه بطلاً.. يحذو الآخرون حذوه.. وهذا ما قد حدث.. حيث اتبعه آخرون في بلدان مختلفة.. ونحن مسؤولون عنهم - غفر الله لنا - بعد أن شجَّعهم الكثيرون منَّا بجعل (رائدهم) المنتحر بطلاً قوميَّاً..!! { نعم.. إنَّ اليأس والفقر والإحساس بالعجز أحاسيس مؤلمة.. وقاسية.. لكنَّ المسلم لا يقنط من رحمة الله.. والابتلاء يُوجب الأجر لمن صبر.. وهناك - بالتأكيد - من يعانون أكثر من (بوعزيزي تونس).. لكنَّهم يصبرون.. لأنَّ هذا حال الدنيا التي قسَّم الله فيها الرزق بحكمته.. ولا نعني بهذا الخنوع والخضوع.. فمن رأى أن هناك ظلماً تجاهه.. يدافع.. لكن بما يرضي الله. { ثورة تونس كانت ستنفجر.. بانتحار البوعزيزي أو بدونه.. فالضيق والحنق قد بلغا منتهاهما عند التونسيين.. وهي ثورة نحترمها كإرادة شعبية صادقة.. لكن (البوعزيزي) ليس بطلاً.. وكنَّا سنمجده إذا سقط مدافعاً عن مبادئه.. وروى الشارع بدمائه.. في مواجهة من يعتبرهم سبب معاناته.. وشعبه. { علينا أن نتعقَّل في ردود أفعالنا.. حتى لا ينساق شبابنا وراء انفعالات عمياء.. زيَّنها لهم بعضنا.. وعلينا أن نضع فعلنا قبل الشروع فيه في ميزان الشرع وحده.. ونتذكَّر الموقف العظيم.. يوم تُعرض أعمالنا.. إما (ذنوب) أو (حسنات). { محطات { اغتيال وزير بحكومة الجنوب (بمكتبه).. خبر متوقع.. وسيحدث ما هو أفظع منه.. ونسأل أهل (الحركة): هل سمعتم منذ استقلال السودان الموحَّد – سابقاً - باغتيال وزير في الشمال بمكتبه.. أو حتى بمنزله؟! ونسأل أيضاًَ: إذا كانت حكومة الجنوب لا تستطيع حماية (وزير) بمقره.. فماذا عن عوام الناس.. الذين جاءوا إلى (أرض الأحلام) المستقلة؟! { الانفصال قرار ظالم للجنوبيين.. والمبرِّرات التي سيسوقها عرَّابو (الاستقلال) على شاكلة: (آلام المخاض) و(صعوبات البداية)، لن تخدع أبناء الجنوب المُغرَّر بهم.. وأتوقع شخصيَّاً ثورة شعبية قريباً جداً على الحركة في الجنوب.. بعد أن يتكشَّف للبسطاء أن (سراب الانفصال) ليس ماءً.. ولا نماءً ..!!