وقع الانفصال بين شمال السودان وجنوبه، صار الأمر حقيقة لا تقبل الجدال والنقاش والتحليل، وتبقت بعض القضايا العالقة ما بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، لتتم تسويتها تجنباً لخيار العودة إلى الحرب مرة أخرى بعد أن وضعت أوزارها. الجنوب يسعى إلى قيام دولته الوليدة وسط تأكيدات قيادات الحركة الشعبية بإشراك كل مكونات المجتمع والقوى السياسية في حكومة تستنهض همم البناء الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، حتى لا تنهار وتفشل. ومن بين ذلك تنطلق قضية المسلمين في جنوب السودان والتحديات التي تواجههم. يقول رئيس هيئة الشورى بالمجلس الإسلامي لجنوب السودان؛ السلطان عبد الباقي أكول، في حوار صحفي نشرته عدة مواقع إلكترونية: «إن المسلمين هم الأغلبية في جنوب السودان، حيث يمثلون 35% تقريباً من نسبة السكان، بينما المسيحيون 30%، والنسبة الباقية موزَّعة على الوثنيين وبقية الديانات الأفريقية، ولكننا –للأسف- لا نحصل على حقوقنا بالنسبة التي نمثلها؛ فعلى سبيل المثال إذا كان بكل ولاية (10) وزراء، فإنه يجب أن يكون للمسلمين (5) منهم؛ لأننا الأغلبية، إلا أن هذا لا يحدث، وهناك إصرار على تهميش دورنا في كل المناصب والإدارات؛ حتى لا تتضح قوتنا الحقيقية، ويكون لنا تأثير في اتخاذ القرار، لأنه لو أصبح لنا تأثير ووجود رسمي وسياسي يعبِّر عن قوتنا، لما كانت هناك حاجة إلى الانفصال وقيام دولة مسيحية في جنوب السودان». وكان مستشار الرئيس؛ الشيخ بيش – أحد القيادات الإسلامية بجنوب السودان - قد ذكر في حوار سابق مع صحيفة (الأهرام اليوم) حينما سأله الزميل الطيب محمد خير عن توقعاته بخصوص حدوث عزلة للمسلمين في الجنوب من خلال الفصل الديني، فرد بالقول: «لا أتوقع أن يحدث هذا في الجنوب الذي فيه الآن تنوع ديني، حتى داخل الأسرة الواحدة، فأنت تجد المسلم والمسيحي واللا ديني، حتى أسرة سلفاكير إن بحثت داخلها ستجد أحد أفرادها مسلماً، هل يمكن أن يقبل الفصل بين أهله بسبب الدين؟ يا أخي الوضع في الجنوب من ناحية الدين يختلف عن بقية الدول التي في محيطه الأفريقي، إذ تجد بها أحياء للمسلمين وأخرى للمسيحيين». لكنّ قيادات إسلامية أخرى من جنوب السودان تشير إلى تشكيل هياكلهم التنظيمية بعد إنشاء المجلس الإسلامي لجنوب السودان، وفي شهر مارس الماضي اختار المؤتمر العام للمجلس الطاهر بيور أجاك، رئيساً له بعد أن اتفق الأعضاء على اعتماد المجلس جهةً وحيدة مسؤولة عن شؤون المسلمين في الجنوب. وتحظى شخصية الطاهر بكثير من الجدل وسط القيادات الإسلامية في جنوب السودان، فبعضهم غاضب على الرجل وتصرفاته في إدارة الشأن العام، والبعض الآخر يسانده. ويقول مصدر إن الطاهر بيور عبد الله الجاك، من مواليد بور، وينتمي إلى قبيلة الدينكا، تخرّج في الكلية الحربية ضمن الدفعة (24)، ودرس بالمعهد الديني، وانضم إلى الحركة الشعبية في نهاية الثمانينيات، وكان نائباً للقائد رياك مشار في منطقة (جلهاك) بشمال أعالي النيل، وفي إحدى المعارك العسكرية وقع بعض الأسرى في قبضة مشار، ووجد أن لديهم فهماً بأن الحركة الشعبية تعمل ضد المسلمين، ومن هنا جاءت فكرة الحركة الشعبية بإنشاء المجلس الإسلامي للسودان الجديد، وظهر زعيم الحركة الشعبية جون قرنق بعدها على إحدى القنوات الفضائية وهو يرتدي الزي القومي (الجلابية) ويقرأ بعضاً من الآيات القرآنية باللغة الإنجليزية في رسالة واضحة بأن الحركة ليست ضد المسلمين. وطلب جون قرنق من رئيس التجمع؛ محمد عثمان الميرغني – بحسب المصدر- تقديم شخصية الطاهر بيور للمنظمات الإسلامية في مصر وقطر والسعودية والإمارات لجلب المساعدات المادية. لكن مصدر (الأهرام اليوم) يشير إلى أن هناك خلافات في منتصف التسعينيات بدأت تظهر ما بين جون قرنق والطاهر، الذي تم تكليفه بمهام شؤون المسلمين في جنوب السودان، وغادر على إثرها الطاهر بيور موقعه في المجلس الإسلامي للسودان الجديد، وتوجه إلى أستراليا لبعض شؤونه الخاصة، قبل أن يعود في العام 2007 ويلتقي بسلفاكير ليحدثه بشأن جمع المسلمين الذين كانت تمثلهم ثلاث واجهات، هي: المجلس الإسلامي الأعلى لجنوب السودان برئاسة الشيخ بيش، والهيئة الإسلامية لجنوب السودان برئاسة الراحل منقو أجاك أكول ومعه من الشخصيات البارزة علي تميم فرتاك، بخلاف المجلس الذي شكلته الحركة الشعبية. وكلف سلفاكير مشار بعد توقيع اتفاق السلام بالإمساك بملف المسلمين. ويشير المصدر القيادي الإسلامي بالجنوب، إلى أن الطاهر بيور تلكأ في قيام مؤتمر عام للمسلمين، وتعذر لرياك مشار بعدة حجج. وبعد اختيار الأعضاء لبيور؛ لم يقم بتشكيل مكاتب المجلس والاهتمام بأمر الدعوة الإسلامية في الجنوب. لكن مزمل أوجوك؛ الأمين العام للمجلس الإسلامي بولاية أعالي النيل، يدافع من خلال حديثه ل(الأهرام اليوم) عن الاتهامات الموجهة بعدم كفاءة الطاهر بيور في إدارة شؤون المجلس، ويرى أن حكومة الجنوب تعامل المجلس الإسلامي بأنه جسم محترم جداً، ويضيف: «قضايا المسلمين محل تقدير وقانون الأحوال الشخصية في منضدة البرلمان لإجازته». ويبدي أمين المجلس الإسلامي بشمال بحر الغزال؛ انيار مدوت، عدم رغبة في الحديث عن عمل الطاهر بيور، لكنه يدعو إلى عقد مؤتمر طارئ للمجلس، لمناقشة قضايا عالقة تشمل ترتيب البيت الداخلي للمسلمين، ووضع تصورات العمل لمرحلة ما بعد قيام دولة الجنوب، ويقول: «هذه المرحلة تقتضي أن نكون مع بعضنا البعض لأن الدولة تحتاج إلى البنيات التحتية للمسلمين وغير المسلمين، ونحن لدينا احترام متبادل مع المسيحيين ونتعايش معهم سلمياً، وسلطة الولاية متعاونة معنا إلى حد بعيد». ويرى موسى المك كور- أحد القيادات الإسلامية بالجنوب – أن اختيار الطاهر بيور لالتزام حكومة الجنوب في قيام مؤتمر المسلمين، ويكشف عن عدم عقد اجتماع للمجلس منذ مارس الماضي. وبعد.. ماذا سيكون مصير المسلمين (35%) من سكان الجنوب الذين سيواجهون هجمة الثقافة المسيحية الحاكمة في جوبا.. وضعف مؤسسات الدولة، بعد أن فقدوا سند الشمال المسلم؟ ليكون حالهم كحال المسلمين في اثيوبيا.. أغلبية لكن بلا نفوذ!!