لم تكن انتخابات أبريل الماضي تمثل انتخابات دورية عادية مبرمجة تأتي في إطار التبادل السلمي للسلطة ولكنها كانت من مطلوبات واستحقاقات اتفاقية نيفاشا «الكارثة». لقد نصت هذه الاتفاقية على فترة انتقالية لمدة ست سنوات يجري في نهايتها استفتاء لأهل الجنوب كما نصت على إجراء انتخابات بعد نهاية العام الثالث من الفترة الانتقالية. وكان الغرض المنصوص عليه في الاتفاقية لهذه الانتخابات هو أن يتم إجراء عملية الاستفتاء بواسطة حكومة منتخبة وسلطة تشريعية منتخبة مما يكسب دولة الجنوب الجديدة الشرعية الدولية والاعتراف الإقليمي والدولي. لقد تحولت هذه الاتفاقية إلى دستور انتقالي تمت تسميته بالدستور الانتقالي لجمهورية السودان لعام 2005م. من هذه التسمية يتضح أن هذا الدستور قد تم تصميمه ليحكم الفترة الانتقالية التي نصت عليها الاتفاقية وبعد نهاية هذه الفترة الانتقالية فإنه سوف لا يكون صالحاً لحكم الجنوب أو الشمال، وما يؤكد صحة ذلك أن حكومة الجنوب قد شرعت فعلاً الآن في تكوين لجنة قومية لوضع الدستور الجديد لدولة الجنوب الجديدة قبل نهاية الفترة الانتقالية. من المعروف أن كل دولة في العالم تسعى ليكون دستورها دائماً وليس دستوراً انتقالياً لأن الدستور الانتقالي يعتبر مؤشراً قوياً على عدم استقرار الدولة وعدم الوفاق الوطني والإجماع القومي، كما يشير إلى أن هذه الدولة ما زالت حتى الآن في حالة صيرورة ووضع انتقالي لم تتضح معالمه الحقيقية تماماً. الدستور الانتقالي لعام 2005م توجد فيه بعض المواد الافتراضية كالمادة «226» التي تتحدث عن أنه في حالة الوحدة يحصل كذا؛ والمعروف أن الدستور ينظم حياة الناس ويكون مبنياً على الواقع والحقائق المجردة وليس مبنياً على الافتراضات. إن لغة الدستور تتسم بالثبات حتى لا يكون هنالك مجال لعدة تفسيرات. واضح أن الغرض من هذه الافتراضات التي تضمنها الدستور الانتقالي لعام 2005م أن المشرع يتحسب هنا لكي لا يكون هنالك فراغ دستوري بالبلاد بعد نهاية الفترة الانتقالية التي حددتها الاتفاقية. مواد الدستور المبنية على الافتراضات حولت الدستور الانتقالي إلى دستور دائم مما أدى إلى تشويهه ولا شك أن هذا يعتبر وضعاً معيباً. النقطة الجوهرية هنا هي أن الشريكين اللذين قاما بتوقيع الاتفاقية غير مفوضين من قبل الشعب السوداني حيث أن الحركة الشعبية لا تمثل الجنوب، كما أن المؤتمر الوطني لا يمثل الشمال ولهذا فانهما لا يملكان شرعية شعبية لاتخاذ قرارات إستراتيجية في أمور مصيرية. يضاف إلى ذلك أن مرجعيتهما الشمولية منقوصة ومشكوك فيها وغير معترف بها حيث أنها لا تؤهلهما للقيام بتحديد مستقبل الشعب السوداني، إن فقدان السودان لربع مساحته وخمس سكانه وتغيير خريطته السياسية.. إن كل هذا يعتبر سبباً كافياً لذهاب الحكومة بغض النظر عن شرعيتها وكان ينبغي عليها أن تقدم استقالتها بعد أن أصبحت غير مؤهلة للحكم نتيجة لتفريطها في وحدة البلاد التي هي من أهم مسؤولياتها التاريخية والوطنية. غريب أمر الحكومة الحالية التي تسببت في كل ذلك وما زالت حتى هذه اللحظة متمسكة ببعض مواد لا معنى لها في دستور انتقالي أصبح في ذمة التاريخ!! إن عمليات الشطب والإلغاء التي نص عليها الدستور في حالة الوحدة أو الانفصال تعتبر مؤشراً قوياً على عدم ديمومة واستمرارية هذا الدستور الانتقالي الذي ينتهى العمل به بنهاية الفترة الانتقالية، من المؤسف حقاً أن يحدث كل هذا في عهد الإنقاذ التي كان ظننا أنها ستقودنا إلى بناء الدولة العصرية الآمنة والمستقرة والموحدة وبالله التوفيق. فريق أول ركن زمالة كلية الدفاع الوطني أكاديمية نميري العسكرية العليا