الوضع الدستوري الحالي بالبلاد استمد مرجعيته الشرعية والدستورية والقانونية من اتفاقية نيفاشا (الكارثة) التي أصبحت دستوراً يُكرِّس للانفصال. العمل باتفاقية نيفاشا ودستورها الانتقالي سينتهي بعد تنفيذ كل بنود الاتفاقية وإجراء الاستفتاء في 9 يناير 2011م وإعلان نتيجته. تمثّل اتفاقية السلام الشامل حقبة تاريخية مظلمة في تاريخ الحياة السياسية السودانية، وذلك نسبة لأن هذه الاتفاقية تمثّل أجندة خارجية لقوى عُظمى مارست ضغوطاً سياسية قوية على الشريكين وأجبرتهما على توقيع هذه الاتفاقية. مشاركة الشريكين في مؤتمر نيويورك الذي دعى له الرئيس الأمريكي تؤكد صحة ذلك. تجربة حكم الشريكين خلال الفترة الانتقالية مثّلت أسوأ نظام شراكة سياسية بين حزبين. السودان خلال فترة حكم الشريكين فقد هويته ووزنه السياسي في السياسة الدولية بعد أن تم تحجيم دوره السياسي وقاد هذا الوضع معظم الدول في العالم إلى أن تتعامل مع جوبا كعاصمة إفريقية جديدة حيث تم فتح الكثير من القنصليات بجوبا توطئة لفتح السفارات بعد انفصال جنوب السودان رسمياً والاعتراف به إقليمياً ودولياً. دعوة الرئيس الأمريكي للشريكين تأتي في إطار قفل ملف قضية الجنوب بعد أن أعلن مؤتمر نيويورك تشييع الوحدة مبكراً. لقد كان الغرض من هذا المؤتمر هو تحقيق انفصال سلس بضمانات أمريكية ولكن بالرغم من كل ذلك وبالرغم من تصريحات الشريكين بعدم العودة مرة أخرى للحرب، إلا أن النتيجة الحتمية للاستفتاء ستقود إلى قيام حرب طاحنة وشرسة تتفجر فيها البلاد من داخلها وذلك نسبة لأن الطرف المتضرر من نتيجة الاستفتاء سوف لا يقبل بها، هذا بالإضافة للمشاكل الأخرى التي لم تُحسم بعد. أما إذا حاولنا المقارنة بين وضع الشريكين بعد مرحلة الاستفتاء، فإننا نجد أن وضع الحركة الشعبية سيكون أفضل من شريكها في الحكم حيث أن انفصال الجنوب سيوحّده وما يؤكد صحة ذلك صمت المعارضة الجنوبية التي يمثّلها د. لام أكول، والفريق أطور، والعميد قلواك، وحركة ديفيد. وسوف يتم تجميد كل نشاط جنوبي معادٍ للحركة الشعبية. انفصال الجنوب سيوفر له الدعم الاقتصادي والعسكري من إسرائيل وكل الدول الغربيةوالولاياتالمتحدةالأمريكية التي تسعى لإقامة أكبر قاعدة عسكرية لها بالجنوب للسيطرة على منطقة البحيرات العظمى ومنطقة القرن الإفريقي ودول شرق إفريقيا بعد ضم الجنوب لها وربطه بشبكة طرق برية مع هذه الدول وتصدير بتروله عن طريق ميناء ممبسا، وبذا تكون الصهيونية العالمية قد أوقفت المد الإسلامي وتغلغل الثقافة العربية إلى الدول الإفريقية جنوب الصحراء. ولتقوية الحزام الأمني فإنها ستدعم حركات التمرد بجنوب النيل الأزرق وجنوب كردفان ودارفور حتى تستمر حرب الاستنزاف بشمال السودان ليكون مشغولاً بنفسه وغير قادر لدعم قضايا أمته العربية والإسلامية. أما وضع المؤتمر الوطني بعد مرحلة الاستفتاء فإنه سيفقد الكثير وتكفي الإشارة هنا إلى أن السودان أرض المليون ميل مربع سيفقد ربع مساحته وخمس سكانه. أما عن ماهية الوضع الدستوري للبلاد بعد نهاية الفترة الانتقالية، يمكن القول إن انتخابات أبريل كانت ذات هدف واضح ومحدد كما جاء بالاتفاقية وهو إضفاء الشرعية الدستورية على انفصال الجنوب حيث أشارت الاتفاقية إلى أن عملية الاستفتاء يجب أن تتم بواسطة حكومة منتخبة وسلطة تشريعية منتخبة. هذا يعني ضمنياً ذهاب الحكومة المنتخبة والسلطة التشريعية المنتخبة بعد تأدية مهمتها الأساسية وهي إجراء عملية الاستفتاء ووضع الدستور الانتقالي لجمهورية السودان لعام 2005م الذي كان القصد منه أن يسود ويحكم الفترة الانتقالية فقط، وبعد نهاية الفترة الانتقالية يفقد شرعيته بعد أن تكون اتفاقية السلام الشامل قد أصبحت في ذمة التاريخ. أما ما تضمنته المادة (226) من الدستور الانتقالي لعام 2005م التي تتحدث عن استمرار رئيس الجمهورية ورئيس حكومة الجنوب والمجلس الوطني ومجلس الولايات في تأدية مهامهم لحين إكمال فترة خمس سنوات فإن هذا الوضع يعتبر وضعاً معيباً وغير قانوني وغير دستوري حيث أنه لا يُعقل أن بعد فقد الدستور أهليته أن تستمر المادة (226) المشار إليها أعلاه. واضح هنا أن المشرِّع قد حشر هذه المادة حشراً خوفاً من حدوث أي فراغ دستوري بالبلاد بعد نهاية الفترة الانتقالية. لقد بات معروفاً للجميع أن انتخابات أبريل الماضي كانت ضمن مطلوبات تنفيذ اتفاقية نيفاشا وأنها لا تمثل دورة انتخابية عادية مبرمجة في إطار التبادل السلمي للسلطة، ولهذا فإن المراقب السياسي الحصيف يستغرب جداً لإصرار المؤتمر الوطني وتمسُّكه بنتائج هذه الانتخابات ذات الغرض المحدد في الاتفاقية. ختاماً تأسيساً على كل ما تقدم ذكره فإن مرحلة ما بعد الاستفتاء تتطلب تشكيل حكومة قومية جديدة للإشراف على انتخابات جديدة تجري على كل المستويات لتحقيق التحوُّل الديمقراطي المنشود. كما تتطلب المرحلة كذلك وضع دستور جديد لشمال السودان. وبالله التوفيق. فريق أول ركن- زمالة كلية الدفاع الوطني أكاديمية نميري العسكرية العليا