قبل شهرين أو زهاءهما، وعندما تأكد لنا أن السودان بات مُقبلاً على الانقسام إلى دولتين، دعا البعض هنا في السودان الشمالي إلى قيام وحدة مع مصر. وأبدينا مكرهين يغمرنا الحزن اعتراضنا على تلك الوحدة رغم أننا وحدويون ولم تكن وحدويتنا قاصرة على السودان القديم، سودان ما قبل الاستفتاء على تقرير مصير الجنوب الذي هو في واقع الأمر استفتاء على تقرير مصير كل السودان لكنها أي وحدويتنا تشمل الشطر الأعظم من وادي النيل من شواطئ البحر الأبيض المتوسط شمالاً إلى نمولي جنوباً. وكنا جمّدنا دعوتنا لهذه الوحدة الأخيرة للظروف المضطربة التي كان وما يزال يمر بها العالم العربي وإفريقيا بما في ذلك وادي النيل في جزئيه السوداني والمصري. ثم اعترضنا من شهرين تقريباً على فكرة الوحدة بين السودان الشمالي ومصر وكان من رأينا أن السودان الشمالي بعد إعلان مولد دولة الجنوب محتاج إلى إعادة ترتيب البيت والإجماع على دستور دائم هذه المرة؟ تقتنع به كل مكونات السودان الشمالي العرقية والسياسية، وأن ذلك يحتاج إلى فترة يتحقق خلالها الاستقرار ثم بعد ذلك نلتفت إلى ما تلتفت إليه الدول المستقرة ومنه الشروع في الانتماء إلى كيانات أكبر نيلية أو عربية أو إفريقية. ولو أننا نفذنا تلك الفكرة التي هي فكرة الوحدة بين السودان الشمالي ومصر، لانهارت تلقائياً مع هذه الثورة العارمة التي اندلعت في مصر في 25 يناير الماضي ومازالت مندلعة حتى الآن، وبينما كنا نشكو من عدم الاستقرار، فإن مصر تشكو منه الآن، وقد تأكد الآن أن مصر التي هي أقدم أو إحدى أقدم الدول في التاريخ ليس لها دستور دائم، ونعم هناك على الورق دستور دائم لكن الثوار المصريين الآن الذين هم كل الشعب المصري تقريباً يريدون تعديله وربما إلغائه وصياغة دستور جديد، لقد اتضح أن دستور مبارك «الدائم» مثل كل الدساتير «الدائمة» في العالم العربي وإفريقيا بمعنى أنه دستور دائم طالما ظل الرئيس رئيساً وبمجرد خروجه من الحكم يخرج مع الدستور وقد «خرج» دستور السودان الدائم مع الرئيس نميري بعد خروجه من الحكم في 6 أبريل 1985م وعاد السودان محتكماً إلى دستور 56 المعدّل في عام 1964م بعد ثورة أكتوبر وما أكثر الأمثلة. ولن يتحقق الاستقرار في هذه المنطقة المهمة الغنية العريقة من العالم ما لم يُفك الارتباط بين الدستور الدائم والرئيس بمعنى أن يبقى الدستور حتى بعد خروج الرئيس من الحكم مثلما هو حادث في دول العالم الأول ثم بعد ذلك يمكن لأي دولتين عربيتين أو إفريقيتين أن تسعيا نحو الوحدة.