مرت منذ أيام الذكرى الرابعة والخمسين لأول وحدة جادة في التاريخ العربي الحديث بين دولتين عربيتين؛ ففي 22 فبراير 1958م تم الإعلان عن قيام الجمهورية العربية المتحدة من جمهوريتي مصر وسوريا وأصبح عبدالناصر رئيساً للجمهورية الجديدة وصارت القاهرة هي العاصمة وأطلق على سوريا اسم الإقليم الشمالي، وعلى مصر اسم الإقليم الجنوبي . وكانت تلك الوحدة تجسيداً لوحدوية الشعبين العريقين السوري والمصري ويقال أن الرغبة في الوحدة كانت في سوريا أقوى منها في مصر وكان يقال في ذلك الوقت أن سوريا هي قلب العروبة النابض وقد كانت المشاعر القومية العربية في مصر موجودة قبل ثورة يوليو 1952م وكان إلى جانبها مشاعر وطنية مصرية عارمة وكان هناك الراغبون في خلق رابطة عملية بين مصر وعالمها الإسلامي وكان هناك أنصار مصر الفرعونية وكان هناك من يدعون إلى تفعيل انتماء مصر لحوض البحر الأبيض المتوسط لكن ثورة يوليو 52 حسمت الجدل لصالح انتماء مصر العربي. لقد كانت المشاعر السورية القومية جارفة فقد تخلى السوريون بكل الرضا والاقتناع عن حقهم في أن يكون حاكمهم سورياً وقبلوا أن يحكمهم رئيس مصري وتنازلوا عن أن تظل دمشق هي عاصمتهم وهي من أقدم عواصم العالم وقبلوا بعاصمة جديدة هي القاهرة إلى آخر التنازلات التي قدمها السوريون لأجل أن ترفرف أعلام الوحدة العربية . لكن التجربة لم تعش طويلاً فقد سقطت الوحدة بعد ثلاث سنوات وسبعة أشهر من قيامها، وأياً كان الرأي في تلك الوحدة، وأياً كانت الأخطاء التي صاحبتها، إلا أنها كانت تجربة وحدوية حقيقية وكان معقوداً عليها الكثير من التطلعات والأشواق والطموحات وأيضاً فإنه منذ سقوط تلك الوحدة في 28 سبتمبر 1961م لم يعرف العالم العربي تجربة وحدوية جادة . وفي عهد الرئيس الليبي معمر القذافي الذي استمر من عام 1969م إلى عام 2011م أصاب فكرة الوحدة العربية قدر كبير من التشويه وربما سقطت هذه الفكرة ولم يعد لها أي مكان في اهتمامات وشواغل غالبية العرب وكان لسلوك القذافي وسياساته وشطحاته و»عمايله» دور كبير في هذا التشويه الذي أصاب فكرة الوحدة العربية واشترك معه بدرجة أقل حكام عرب آخرون . ولما أعلنت الوحدة بين مصر وسوريا في فبراير 1958م كان يرأس الحكومة السودانية الأمين العام لحزب الأمة العميد عبدالله خليل ولا يبدو أنه كان متحمساً لتلك الوحدة ولما سقطت الوحدة في سبتمبر 1961م كان الحكم في السودان عسكرياً يقوده الفريق إبراهيم عبود ولم يكن راغباً في إقامة أي وحدة بين السودان وأي من جيرانه العرب منهم والأفارقة. فقد كانت للسودان خصوصية يستحيل معها دخوله في أي وحدة عربية ولازمته هذه الخصوصية في العهد المايوي ومن هنا كان نأيه عن الدخول في أي من التجارب الوحدوية العربية في تلك الفترة وقد كانت جميعاً تجارب فاشلة.