{ المقولة الذهبية التاريخية، التي طالما احتفينا بها كثيراً في هذه الزاوية، التي أطلقها الثائر الصيني «ماو» في أربعينيات القرن المنصرم، التي تقول: «الثورات العظيمة يخطط لها الأذكياء وينفذها الأبطال ويستغلها الجبناء»، تكاد هذه المقولة تنطبق على ثوراتنا العارمة التي تحتدم في صدور الجماهير والميادين العربية، فالثورة التونسية الشاهقة التي فجّرها أحفاد الشاعر العربي الثائر أبو القاسم الشابي، قد انتهت إلى السيد محمد الغنوشي، الوزير الأول في حكومة الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، والثورة المصرية الآن في طريقها إلى أن تؤول إلى السيد عمر سليمان رئيس المخابرات المصرية الأشهر، والذين لهم علم من كتاب خبايا وأسرار عصر السيد حسني مبارك يدركون أن عمر سليمان هو الذي يدير كل ملفات «مصر مبارك»، بل إن تسريبات ويكليكس قد قالت «إن اسرائيل تفضل سليمان»، وأنه رجل واشنطن في مصر، وسليمان هو صاحب الامتياز في عبقرية إحكام الحصار على قطاع غزة وتجفيف السلاح والغذاء والحياة في هذا القطاع. { وباختصار شديد «ثوراتنا يرثها العملاء»، ليبدو الأمر كما لو أن واشنطن تغير عملاءها في المنطقة كما تغيّر أثاث البيت الأبيض في هذا الشتاء، وربما يسعفني ويرفد فكرتي ويخدم وجهتي من جديد الشاعر الصديق عبدالقادر الكتيابي: هذا الخريف تغيّر الديكور خلف عباءتين فصفق الديكور للجمهور واشتعل المطر وحدي صرخت وكان هزواً أو عناداً قلت يا ريح اطفئينا نارنا ولدت رماداً ليس هذا المنتظر { من جهة أخرى فإن الثورة المصرية ومنذ أسبوعين من انطلاقتها بدت كما لو أنها تبحث عن «رمزية» تشعل فتيل استمراريتها وتلهب ثوريتها، سيما وقد أصبح الشاب بوعزيزي، الذي أشعل النيران في تونس، رمزاً ومشعلاً للثورة التونسية، فقد احترق الرجل ورحل مخلفاً وراءه ثورة لن تنطفئ جذوتها قريباً، فبعد أسبوعين من الرسم باللوحات الجماهيرية في ميدان التحرير، فإن الثورة المصرية تتجه للتمحور حول رمزية الشاب المصري وائل غنيم، فهو صاحب امتياز مبادرة «شباب الفيس بوك»، كما أنه أول معتقل استُهدف في ميدان التحرير، وقد خرج للتو من معتقلات الأمن المصري بعد ضغوط من الجماهير والفضائيات، وقد بدت عليه آثار التعذيب النفسي، فحتى الأمس كانت ثورة ميدان التحرير بلا رمزية وبلا هوية، ولقد تعرضت هذه الثورة «لعدة سرقات» أشهرها يوم أن جاء عمر سليمان بدم كذب، بضع شباب قال إنهم يمثلون شباب ميدان التحرير. { لكن السؤال الذي يفرض نفسه وبقوة، هل بإمكان «رمزية غنيم» أن تعصم ثورة مصر من عمليات البلطجة والسرقات، أم أن النظام المصري سيواصل عرض مسرحية (شاهد ما شافش حاجة)، إنه لا يرى ولا يسمع! { الجماهير المصرية من جهتها قد أدت دورها بامتياز، وهي ترفد الفضائيات «بصورة مليونية» متجددة تحت شعار «الشعب يريد إسقاط النظام»، وذلك مقابل شعار غير مكتوب يقول «النظام يريد إسقاط الشعب»! { سننتظر نحن حتى نهاية الشوط لنرى «من يسقط من»! الشعب أم النظام، النظام الذي يختزل في رجل، لتصبح المعادلة، رجل ضد شعب، شعب ضد رجل ! { مخرج.. مازالت «ثورة أكتوبر» السودانية التي صنعها اليمين يوماً مسروقة من قبل اليسار، فهنالك «قراصنة ثورات» يختطفونها من «عرض ميادين الجماهير» ويقودونها إلى جهة مجهولة كما يفعل قراصنة البحار!