{ «لا يوجد شيء، أو عنصر، أو عامل، اسمه الحظ، أو سوء الحظ في الحياة»!! هذا ما خلُص إليه مجموعة من الباحثين بإحدى أشهر جامعات إنجلترا بعد بحث استغرق عدة سنوات. وكانت الجامعة قد أجرت بحثها على حوالي 400 متطوع ممن لا يعتبرون أنفسهم محظوظين أو يرون أنهم سيئوا الحظ في تفاصيل حياتهم، وعكفت على متابعة الأحداث التي يمرون بها طوال سنوات الحظ للوصول إلى نتيجة نهائية دقيقة حول إذا ما كان الحظ أو سوءه يؤثران في حياتهم فعلياً حسب اعتقادهم. { وبناءً على ذلك وجدت الجامعة أن العديد منهم لديه قناعة مُطلقة بقطوس معينة يظنون أنها تجلب الحظ السعيد أو تمنع سوء الحظ، فقد كان العديد منهم يحتفظ بتمائم خاصة بالحظ، ويحمل معه دائماً أشياء موروثة لذلك، أو يستخدم في حركته وسكونه عبارات لمنع الحسد أوسوء الطالع، أو يؤمن بأن هناك بعض الأيام أو الأشخاص يلقون بظلال الحظ التعيس على أيامه. فلو قُدِّر لأحدهم مثلاً أن يستقل القطار يوم الأحد وتصادف أن وقع حادث لهذا القطار، فهو يتجنّب تلقائياً بعد ذلك السفر بالقطار صبيحة الأحد، أو إذا قابل أحد الجيران الذين لا يستلطفهم ثم قُدِّر له أن تأخّر عن العمل وتلقّى إنذاراً من مديره العام، فسيُلقي باللائمة حتماً على ذلك اللقاء الصباحي، وهكذا فإننا نعلم من يتطيرون بالرقم (13) أو بالقطط السوداء ونحوها، كما أن هذا التطيُّر موروث اجتماعي عربي قديم في تاريخنا. { ولكن الجامعة أكدت أنه وبمتابعة وملاحقة هؤلاء ال400 شخص، ثبت أنه لا يوجد دليل علمي واحد يؤيد أن الحظ يلعب دوراً في حياة الإنسان! وما ندّعيه كبشر في كثير من الأحيان من أن الصدفة الطيبة أو حُسن الطالع قد لعبا دوراً كبيراً في نجاحنا العملي أو الأكاديمي أو حتى الاجتماعي، لا أساس له من الصحة. فقد تأكد كنتيجة لهذه الدراسة أن الإنسان يصنع حظه بنفسه، مبينة أن المتفائل يجلب لنفسه الحظ السعيد بتفاؤله هذا الذي يجعله ينظر للحياة نظرة إيجابية مرنة، فيتقبل الأشياء السيئة دون أن يقف عندها طويلاً، ويحتفي بالتفاصيل السعيدة أيما احتفاء لأن طبيعته متفائلة ومبتهجة. { وقد اعترض البعض على نتيجة هذا البحث متسائلين عمّا تقوله الدراسة في أولئك الذين يربحون الجوائز الكبرى أو يتلقون أنباءً مفرحة دون سابق إنذار، وكانت الإجابة القاطعة أن ذلك هو نصيبهم من الحياة!! في إشارة لقناعة دينية إسلامية عظيمة والحمد لله، علماً بأن الغرب يتعاطى مع تفاصيل الحياة بفهم علمي بحت غير خاضع لأي إيمانيات، ولكن هذه الدراسة الجامعية خرجت بالنتيجة الفطرية السليمة التي يجب أن يعتقد فيها كل البشر. { وإذا كنا نؤمن بالنصيب والقدر، فإن ذلك لا يمنع أننا نتعاطى مفهوم الحظ السعيد في حياتنا ولكن دون اعتناق مُطلق، فالواقع يقول إن البعض تمضي حياتهم بصورة طيّبة وكما يشتهون، والبعض الآخر يتعثّر في كثير من أمور حياته وربما يكون المردود له علاقة بالإبتلاء الرباني أو العلاقة الوطيدة الطيبة بين العبد وربه، وإلا فبماذا نبرر النجاح والثراء والقبول الذي يُحظى به الكثيرون وبعضهم لا يملك المؤهل اللازم لتحقيق ذلك ولا يستحقه، علماً بأن بعضهم لا يعرف شيئاً عن التفاؤل ولا الكيفية العلمية لصنع الحظ السعيد لنفسه. وها هم أولاء يجلسون على المقاعد المهمة القيادية دون أن يقوموا بأي فعل إيجابي تجاه الناس، وآخرون يصدحون بأصوات نشاذ وكلمات ركيكة ويجمعون الثروات الطائلة والموهوبون قابعون تحت ظلال الأشجار وفيهم عباقرة في الهندسة والابتكار والسفن والأدب وغيرها. إنه يا سادتي حُسن الطالع. { ولو خرجت مئات الدراسات سنبقى على قناعتنا به، ما لم نكن نستخدمه كذريعة نُعزّي بها أنفسنا لما نرزح تحته من فشل وعطالة و(فلس) واستياء، ونردد دائماً «إنه الحظ»، بينما نحاول أن نتهم أولئك بأنهم انتهازيون أو منافقون لتبرير عجزنا وتفريغ بعض شحنات حنقنا وربما حسدنا لهم. إن «الحظ» أمر واقع، ولكنه أيضاً نصيب بيد الله يمنحه لمن يشاء. { تلويح: (الدنيا حظوظ.. وأنا حظي جميل).