{ يعتقد البعض أن الحظ مسألة قدرية لا سلطة لنا عليها، ويعتقد آخرون أن الحظ أمر يمكن التحكُّم فيه بسلوكنا، بدليل أن الأشخاص المحظوظين لهم صفات مشتركة ومتشابهة قادتهم لهذا الحظ. هذه الصفات حدّدها الكاتب الغربي: «مارك ماير» في كتابه «كيف نصنع الحظ» ونحاول هنا أن نعرض لها عسانا نتعلّم صناعة الحظ. { ومقياس المجتمع للحظ غالباً يتوقف على إنجاز الإنسان في مجالات المال والأعمال والزواج لأسباب اجتماعية موروثة. لهذا نسمع أحاديث الناس حول معدلات حظوظ الآخرين وهي تدور في هذا الإطار وتُنسب الأشياء الجميلة التي يتكرر حدوثها للناس للحظ دائماً، إلا أن بعض المفكرين تعمّقوا في بحث الفكرة ورفضوا الانصياع لهذا المفهوم، فالنجاح - على حسبهم- لا يمكن إخضاعه لمفهوم عشوائي غير قائم على أسباب منطقية. وتوصّلوا بهذا إلى أن هؤلاء الأشخاص الذين ننظر إليهم بانبهار ونراهم محظوظين جداً، هم أيضاً يتعرّضون لظروف سيئة في حياتهم اليومية ولكنهم يتميَّزون ببُعد النظر الكافي ليتجاوزوا هذه الظروف على اعتبار أن الإنسان يمكنه أن يكون محظوظاً بالقدر الذي يظن به كم هو محظوظ فعلاً. { وبالحديث عن نظرية «ماير للحظ السعيد» فهو يرى أن بإمكان أي إنسان أن يكون محظوظاً بفعل يده، ولكن «ماير» عمد إلى دحض بعض الأفكار السائدة ومنها أنه لا يتفق مع مقولة أن «الحظ مرادف للعمل بجد» ويرى أن الحظ لا يحتاج للاجتهاد في العمل بقدر ما يحتاج لتحرُّكات ذكية وهو أكثر من الاجتهاد بقليل، ويعتمد على سرعة البديهة وبُعد النظر. ومن ناحية أخرى يعتقد «ماير» كذلك أن الفكرة التي تقول: «لا يمكنك أن تؤثر في الحظ، بل يمكنك فقط أن تتركه يأخذ مجراه» فكرة خاطئة: فلا يمكن أن نُخضع الأمر للانتظار والاحتمالات ولكن يمكن أن نحرّك حظنا في الاتجاه الإيجابي إذا أقنعنا أنفسنا بأننا قادرون على تحقيق ما نريد باستعمال كلمات للتشجيع الذاتي على شاكلة: «سأنجح في ذلك» و«أنا قادرٌ على هذا» وهكذا، فإنه من صفات الشخصية المحظوظة أن أصحابها يتخذون خطوات إيجابية في حياتهم. { كذلك يعتقد البعض أن الحظ السعيد يأتي عندما تفرض نفسك بعنف، ولكن «ماير» يرى أنك إن كنت عنيفاً ومِلحاحاً فإن الناس سينفرون منك، فالبشر بفطرتهم لا يحتملون الأشخاص الذين يفرضون أنفسهم بالقوة، وعليك دائماً أن تُبدي إصرارك وتعرض أفكارك وتقدم نفسك بلطف وثقة وثبات دون الاستماتة في لفت الإنتباه. {وأخيراً، فالحظ الجيّد يحتاج للتوقيت الصحيح، وعليك أن تكون في المكان المناسب في الوقت المناسب، وتتحدث فيما هو مناسب بطريقة مناسبة ودقيقة وموضوعية وهي جميعها أمور يمكنك التحكُّم بها وتعتمد فقط على ذكائك ومعلوماتك ومدى علاقاتك وبعد نظرك ودقة ملاحظتك وبالتالي يمكنك العمل على انتقاء أشخاص وأماكن وأنشطة معينة في حياتك، وكلما اخترت هذه العناصر بذكاء وكنت منفتحاً أكثر وطموحاً، زادت فرصتك في النجاح وتحسين أوضاعك وارتفاع معدل حظك. { أما في ما يتعلق بالأمور العاطفية، فالسائد: «المحظوظ في اللعب تعيس في الحب» واللعب هنا يرمز للأمور التجارية والصفقات والشؤون المالية. وعموماً فإن الناس لا يمكن أن يكونوا محظوظين في كل شيء، ولابد أن كل واحد منا محظوظ بطريقة ما من وجهة نظر معينة، لهذا قال سقراط «أن تكون لك زوجة هو دائماً أمر جيّد، فإن وجدت زوجة مناسبة ستكون سعيداً، وإن لم تجدها فستصبح فيلسوفاً»! { وسواء في ما يتعلق بالحظ أو الحياة العاطفية، فإن الناس يميلون إلى النظر لأوضاعهم الراهنة على أنها استثنائية طالما حالفهم فيها الحظ السعيد، أما دون ذلك فهو الطبيعي والمتوقّع وهذا هو المعيار الحقيقي لاحساسنا بالحظ السعيد أو التعيس، فنحن الذين نمنح أنفسنا هذا الشعور ونُغذيه بأعماقنا حتى نكون أحد اثنين. إما متفائلين مقبلين على الحياة ومتصالحين معها، أو مستكينين ومُحبطين فاقدي الثقة في كل تصاريف زماننا، نُعلِّق كل تعاستنا في كل شيء على سوء طالعنا، وهكذا نصنع حظنا بأيدينا ثم يتدخل القدر ليصنع لنا النهايات الحتمية دون إرادة منا. فنحن نصنع ونرسم ونُخطِّط والقدر هو المخرج الحقيقي لهذا العمل المسرحي الكبير على خشبة الحياة. تلويح: «تفاءلوا بالخير.. تجدوه» .. هكذا يجب أن نصنع الحظ السعيد..