كثيرون من قادة المعارضة السودانية يرون في ثورة تونس وثورة مصر ظرفاً مؤاتياً لإحداث ثورة في السودان تسقط نظام الإنقاذ وتأتي بهم إلى سدة الحكم، وهم بذلك يأملون أكثر مما يعملون لأجل هذه الغاية، وتفوت عليهم حقائق مهمة تفصل بين ما حدث في تونس وفي مصر، وما يمكن أن يحدث في السودان، فالفرق شاسع بين الثوار هناك والعملاء هنا، وبين القيادة العميلة هناك والقيادة الحرة هنا. الشعوب العربية تنتفض في وجوه العملاء الذين أضاعوا مجد الأمة العربية والإسلامية، وأضاعوا فلسطين وحاصروا غزة حتى أضحت مواقف دول أخرى مثل تركيا وإيران وفنزويلا أشد وقعاً وألماً على إسرائيل من مواقف الدول العربية التي تثور شعوبها الآن، فدولة مثل مصر في عهد حسني مبارك تبيع الغاز لإسرائيل بثمن بخس تخسر بسببه مصر ملايين الدولارات شهرياً، ومصر نفسها تفتح قناة السويس للبوارج الأمريكية لتضرب بلداً عربياً، وذات القناة تعبرها البارجة التي ضربت مصنع الشفاء في العام 1998م، ومصر نفسها تمنع قوافل المساعدات الدولية من العبور إلى غزة فتمنع عن الشعب الفلسطيني المحاصر الغذاء والدواء وهو في تلك اللحظات يستشهد من شبابه وشيوخه ونسائه وأطفاله ما يقارب الأربعة الآلاف، ويقدم أكثر من ثلاثة عشر ألف جريح في حرب الاثنين وعشرين يوماً، وظلت مصر حسني مبارك هي الأخرى تحاصر غزة فيحفر شعبها الأرض يفتح الأنفاق حتى يتصل بالعالم الخارجي، وعندما تعلم مصر حسني مبارك بهذه الأنفاق بدلاً عن أن تفتح معبر رفح؛ تبني جداراً عازلاً فولاذياً من تحت الأرض حتى يحكم عليهم الحصار من سطوح الأرض إلى أعماقها. أما تونس «ابن علي» فإنها تحرم ما يحله الله سبحانه وتعالى وتستقوي بالغرب في مواجهة شعبها وربها، فلم تكن من نهاية لهؤلاء الطواغيت إلا بهذه الخاتمة المذلة والله ينزع منهم الملك نزعاً، وهما أكثر الحكام قبضة ورهبة، فانهارت قصورهم في أقل من عشرين يوماً، والمد الثوري المبارك تتسع دائرته لتشمل آخرين هم أقرب إلى الغرب منهم إلى الله وشعوبهم، وهي لعمري ثورة عربية يقودها الوعي الإسلامي المبارك ليفتح الباب لمرحلة تاريخية جديدة، أبرز معالمها إرادة الشعوب العربية والإسلامية، وهي مرحلة تتابع حلقاتها وتستكمل على مدى عقود، بدأت بإيران ثم السودان ثم تركيا ثم تونس ثم مصر، وقد كانت الجزائر قبل ذلك ولكن الغرب تآمر على فوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ بقيادة الشيخ عباس مدني، وها هي الجزائر تعيد الكرة من جديد، وصدقوني إن ما يحدث الآن هو ترتيب رباني وقدر كوني مثله مثل العديد من الأحداث التي حدثت قبل ذلك، وهي دائما تأتي تتابعاً، مثل الحروب العالمية وحركات التحرر الأفريقية، أما المرحلة التي نحن بين يديها الآن فهي مرحلة الثورة العربية، إحدى مراحل الصراع العربي الإسرائيلي، مثلما كانت مرحلة الضعف العربي والقيادات العميلة إحدى مراحل الصراع العربي الإسرائيلي، وها نحن والحمد لله نغادرها بعون الله ومشيئته. ملامح الثورة العربية في السودان هي في الحكومة القائمة أكثر مما هي في المعارضة، التي هي أقرب إلى الغرب وإلى القيادات التي تثور في وجهها شعوبها الآن، لدرجة أن كيمياء وفيزياء الصادق وأبو عيسى والفاضل والميرغني وغيرهم من قيادات المعارضة؛ تكاد تتطابق مع كيمياء وفيزياء حسني مبارك وبن علي وبقية زعماء المنطقة العربية، وأكاد أجزم أننا لو جمعنا هؤلاء جميعاً داخل باحة واحدة ستجدهم يتقاربون مع بعضهم البعض بشكل تلقائي مثلما وجد السيد الصادق المهدي نفسه بشكل عفوي يصافح الرئيس الإسرائيلي ويستدرك لاحقاً أنه صافح الرئيس الإسرائيلى. الثورات العربية التي تتصاعد الآن ما هي إلا حركات تحرر، تتحرر بها الأنظمة العربية من الهيمنة الغربية، ونحن في السودان والحمد لله قد تحررنا منذ عقدين.