{ في العقود الأربعة الأخيرة التي حكم ليبيا خلالها العقيد معمر القذافي، لم يكن أيٌّ من جيرانه مطمئناً إليه وكانوا يشكُّون في نواياه. { وكانت هناك شهور قليلة في مطلع عهده، الذي بدأ في أول سبتمبر 1969م، حظيت فيها ليبيا بعلاقات شبه مستقرة مع بعض جاراتها وهما تحديداً السودان ومصر. { ثم منذ عام 1972م، أي قبل حرب أكتوبر 1973م، بدأت علاقات ليبيا مع كل من مصر والسودان تسير من سيئ إلى أسوأ. { وجاء وقت أصبحت فيه كراهية الرئيس الليبي معمر القذافي للرئيسين المصري محمد أنور السادات والسوداني جعفر محمد نميري أكبر من كراهيته لكل الآخرين وما أكثر ما فعله لتقويض الاستقرار في هاتين الدولتين. { وكان من ألقاب القذافي لقب أمين القومية العربية. ومن الغريب أنه بمحاولاته الوحدوية الفاشلة، ومنها محاولة مع تونس أيام الحبيب بورقيبة لم تصمد لأكثر من ساعات، شَوَّه فكرة الوحدة العربية وجعل المطالبة بها من مثيرات التهكم والسخرية. { وخدم مجمل سياساته العربية مصلحة إسرائيل والمصالح الأوروبية الأمريكية كما لم تخدمها إلا قلة من الحكام العرب الآخرين. وعندما نسأل ما الذي قدمه أمين القومية العربية للقضية الفلسطينية التي هي قضية الأمة العربية المركزية فإننا نجد أن الإجابة صفر كبير. { لقد كان القذافي يرفع أكثر الشعارات ثورية ومناهضة للصهيونية والإمبريالية الأمريكية لكن ذلك لم يصُب في مصلحة الأمة العربية والشعب الفلسطيني ولم يحقق لهما شيئاً يُذكر. { وإنْ صحّت رواية الصحفي الكبير الأستاذ محمد حسنين هيكل بأن عبد الناصر كان يقول: إن القذافي يذكره شبابه؛ فإن المقارنة تنتهي هنا. { وكان القذافي أشاح عن العروبة والقومية العربية وأصبح أفريقياً. ويبدو أنه كان يسعده أن يحمل لقب ملك ملوك أفريقيا، رغم أنه لقب لا قيمة له، وكان هذا اللقب المضحك افتِئاتاً صارخاً على الحقيقة؛ فليس في أفريقيا ملوك وربما كان الملك الوحيد هو محمد السادس ملك المغرب. { لقد كان القذافي كمَّاً هائلاً من المتناقضات ووصفه البعض بالجنون. وكان يفرض نفسه وغرابة أطواره على مضيفيه من الرؤساء والملوك ونرجِّح أن ذلك كان يضايقهم وأنهم في أعماقهم كانوا يستثقلونه. { ويعيش القائد الأممي معمر القذافي هذه الأيام أحلك أيامه رئيساً؛ فقد نزل الليبيون إلى الشارع مطالبين بسقوطه وسيطروا على بعض المدن ولم يجد القائد نصيراً يُذكر فلجأ إلى قصف المتظاهرين بالطائرات وإلى الاستعانة بالمرتزقة الأفارقة. والأرجح أن يُقتل، كما أفتى الشيخ يوسف القرضاوي، أو أن يهرب. ومن حسن حظ الثوار الليبيين أنه ليس في وطنهم شرم الشيخ.