مشكلة معمّر القذافي في بعض جوانبها هي نفس مشكلة الرئيسين السابقين التونسي زين العابدين بن علي والمصري محمد حسني مبارك، وهي البقاء في السلطة فترة أطول من اللازم، وكان هذا البقاء في حالة العقيد القذافي أطول كثيراً، فهو يحكم ليبيا منذ سبتمبر 1969م. وفي البداية كان القذافي وانقلابه العسكري الذي سمّاه ثورة الفاتح من سبتمبر تجديداً وتذكيراً للدنيا بثورة يوليو 1952م التي دبّرها ونفذّها الضباط الأحرار في مصر بقيادة المقدم جمال عبدالناصر الذي فرح كثيراً بهذه الثورة الليبية ورأى فيها دليلاً ومعها ثورة مايو 69 السودانية التي دبّرها ونفّذها الضباط الأحرار بقيادة العقيد جعفر محمد نميري دليلاً على حيوية الأمة العربية وعلى رفضها لهزيمة يونيو 1967م. ثم مات عبدالناصر بعد سنة تقريباً من وصول القذافي إلى الحكم في ليبيا، وكان القذافي يرى عبدالناصر مُعلماً ورائداً لحركة القومية العربية. ثم تولى الأمر في مصر بعد وفاة عبدالناصر في سبتمبر 1970م. رئيس آخر هو محمد أنور السادات ورغم أنه كان من الضباط الأحرار الذين دبّروا ونفّذوا ثورة يوليو 52، ورغم أنه هو الذي أذاع البيان الأول صباح 23 يوليو 52، ورغم أنه هو الذي اختاره عبدالناصر نائباً له في ديستمبر 69 في وجود مرموقين آخرين من أعضاء مجلس قيادة الثورة المحلول من أمثال زكريا محي الدين، وحسين الشافعي، وعبداللطيف البغدادي، وحسن إبراهيم، وكمال الدين حسين، وخالد محي الدين، إلا أن العلاقة بينه وبين القذافي منذ البداية لم تكن مثل أو امتداداً للعلاقة التي كانت بين الرئيس عبدالناصر والرئيس الليبي الشاب معمر القذافي. لقد كان السادات رئيساً مختلفاً عن عبدالناصر وفي عهده ساءت العلاقات بين مصر وليبيا، وساءت أيضاً بين ليبيا والسودان. وكان القذافي في ذلك الوقت من سبعينيات القرن الماضي ما يزال يدعو ويهتف للوحدة العربية. ومع الأيام ضعُف إيمانه بهذه الوحدة، وتصور أن الوحدة الإفريقية هي الأكثر قابلية للتحقيق، فإنجرف نحوها لكنه لم يحقق شيئاً يُذكر ...والخ. وبعد أربعة عقود من الحكم شِبه المطلق الذي مارسه ضده، وتعاملت أجهزته الأمنية مع المتظاهرين بقسوة لم تحدث في مصر ولا في تونس، بل إن بعض أجهزة الإعلام ذكرت أنه استعان ببعض المرتزقة الأفارقة لقمع الاحتجاجات «النبيلة» التي قام بها الليبيون. وكان العقيد القذافي مولعاً بالألقاب ومنها أمين القومية العربية، والقائد الأممي، وملك ملوك إفريقيا. وبدلاً عن أن يبني (ملك ملوك إفريقيا) نظاماً سياسياً اجتماعياً اقتصادياً يتطلع إلى إقامة مثله الأفارقة من بني غازي شمالاً إلى رأس الرجاء الصالح جنوباً، ومن جيبوتي شرقاً إلى داكار غرباً، فإنه استعان ببعض المرتزقة الأفارقة للقضاء على ثورة حقيقية صادقة نفّذها ضده الشعب الأعزل في ليبيا.