{ يشكو شبابنا لطوب الأرض من معاناتهم الكبيرة مع الواسطة والمحسوبية، ولن نستطيع أن ننكر ذلك أو نتشدق بعبارات جوفاء عن المثالية والحياد المهني وفرص العمل العادلة ولا وضع المؤهلات كأولوية في الحصول على مهنة شريفة تُخرج أي شاب من زجاجة العطالة التي تقتات من عمره وأعصابه وأوضاعه الاجتماعية والنفسية. { والواقع يؤكد أن شبابنا المغلوب على أمره بات يسعى للتقديم لأية وظيفة يُعلن عنها وهو على قناعة تامة بأنها لن تكون من نصيبه ما لم يكن مسنوداً أو موصًى عليه. وتكاد المعاينات الشكلية التي يجتازها تكون بمثابة دعابة سمجة لا ينقصها سوى أن تحتوي على سؤال مباشر ونهائي: «هل لك ظهر؟!» ربما فقط بعض الحياء هو الذي لم يُتح مجالاً لطرح هذا السؤال بوضوح رغم أن إيحاءاته تكون واضحة للجميع. { فإلى متى يظل أصحاب الكفاءات والمواهب بعيدين عن مجالاتهم بفعل المحسوبية والواسطة وصلة الرحم والمعرفة والصداقة؟ وكيف ينهض هذا الوطن ويمضي قُدماً إذا كان دائماً هناك من يضع الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب لينتهي الأمر بأحدهم كخيال مآته لا يخدم دولاب العمل ولا يحرك عجلة النماء؟ { فوا أسفي على كل أولئك الشباب الواعدين المتكدسين على الطرقات والمحبطين بسبب ظلمنا وجبروتنا وسلطتنا، الذين أعياهم البحث عن وظيفة واهترأت أوراقهم الثبوتية وشهاداتهم ذات المعدلات العالية من فرط ما تم تصويرها والدوران بها في كل أزقة وحواري الخدمة العامة أو الخاصة دون جدوى. { والمؤسف أكثر أن الأمر من فرط تداوله قد أصبح معتاداً وبديهياً لا يحرك ساكناً ولا يستفز أحداً، والمجتمع أصبح أكثر قبولاً لهذه الأوضاع المغلوطة ونشارك نحن جميعاً كأفراد في هذه الجريمة اليومية وكأن شيئاً لم يكن. لتكون المحصلة الأخيرة المزيد من حالات الاكتئاب لدى الشباب وتراكم الأخطاء المهنية وارتفاع معدلات اللا مسؤولية واللا مبالاة لدى العديد من أولئك الذين حالفهم الحظ وكانت لهم «ظهور» منحتهم كراسي وثيرة يجلسون عليها ولا يعرفون ماذا يفعلون بالضبط لتبدأ ظواهر التسيُّب الوظيفي وقراءة الصحف وشرب الشاي وإذلال عباد الله وحل الكلمات المتقاطعة فقط لأن هذا الموظف لا يعلم شيئاً عن طبيعة العمل المطلوب منه تماماً ولا علاقة بينه وبين المؤهل الذي يحمله سوى أن له «ظهر» فحسب! { إذن، خرج الأمر عن السيطرة، وأعرف وزارات كاملة لا يشغل مناصبها سوى أصحاب المؤهل الخاص أقرباء الوزير من بني جلدته، وأعرف شركات يتم التقديم لها بالقبيلة أو الجنس، وأعرف مستشفيات لا تستوعب إلا أبناء الأطباء الكبار أو الموصى بهم من أقربائهم، بل أعرف مدارس لا علاقة للمدرسين بها بأسس التربية والتعليم غير أنهم من بقية أهل المدير!! { وإذا كان كل هذا مقبولاً ومعتاداً على اعتبار أن الجنس للجنس رحمة والأقربين أولى بالمعروف، فكيف يكون العمل الإعلامي في حاجة إلى وسيط أو (ظهر)؟ وهذا القطاع الحساس يعتمد في الأساس على القبول الإلهي ثم القدرات الخاصة تماماً سواء لغوية أو فكرية تتعلق بالأسلوب والمبدأ والإيمان بالإعلام كعمل رسالي؟ فكيف يخضع كل ذلك «للواسطة»؟ والشاهد أن هناك العديد من الإعلاميين يعانون من (الركاكة) في كل شيء، لا سيما الإعلام المرئي والمسموع الذي يخرج علينا كل يوم بما يزيدنا نفوراً من أجهزتنا الإعلامية ويثير اشمئزازنا ويرفع معدلات الضغط والسكري لدى معظمنا لا سيما العزيزة «أم وضاح» التي أخشى أن يتسبب منسوبو العمل الإعلامي بفضل «ظهور» من ورائهم في إصابتها بالجلطة يوماً - لا قدر الله - وهي الحريصة دائماً على أن تكون عيننا المتابعة واليقظة لكل هذه التفاصيل الموجعة للقلب والعقل معا. وكل ما أرجوه أن أجد لي (ظهراً) (كظهورهم) أو أن يظاهرني ظهرني ويذهب بي إلى بيتي. { تلويح: ما عندك واسطة؟ إذن، لا تتفاءل.