{ تداولنا مؤخرا،ً في قطاع الإعلام بالأمانة العامة لهيئة المستشارين، قضية محورية وحساسة، ألا وهي «دور الإعلام السوداني في بناء وتعزيز الثقة بين دولتي الشمال والجنوب». من خلال ورقة نقاش ضافية ومثالية قدمها لنا الأستاذ «عبد المحسن بدوي» عميد كلية الإعلام بجامعة الرباط الوطني وبتكليف من هيئة المستشارين في بادرة طيبة تواكب همومنا العامة والخاصة ونحن نمر بهذه المرحلة الحرجة بعد أن أصبح الانفصال واقعاً ملموساً علينا أن نتعامل معه بكل حياد وموضوعية. { وتم خلال المناقشة سرد التاريخ الكامل لمسيرة الإعلام السوداني وموقفه من قضايا إنسان الجنوب، بحيث خلصنا إلى أنه لم يؤدِ دوره كما يجب في كافة المراحل وعبر كافة الحكومات والقوانين الدستورية، غير أن ذلك لا يعني بأي حال من الأحوال أن عبء الانفصال يقع على عاتق الإعلام وحده، رغم ما كان عليه من قصور، فهناك العديد من العوامل التي ساهمت في وصولنا إلى هذه المرحلة الحرجة من تاريخنا السياسي والاجتماعي. وإذا كان الإعلام هو المتحكم في مسيرة الأوضاع لما آل الحال الى ما هو عليه الآن لا سيما وقد عكف الإعلام في الفترة الأخيرة على تزيين الوحدة قدر المستطاع ولكنها لم تتحقق رغم كل ما بُذل من جهود لجعلها جاذبة. { وبدا واضحاً أن من أبرز الفترات التي أغفل فيها الإعلام دوره تجاه إنسان الجنوب تلك الفترة المعروفة التي اجتهد فيها القائمون على أجهزة الإعلام الرسمية في التركيز على الحرب وربطها بالجهاد متجاهلين أولئك الجنوبيين البسطاء الذين نزحوا نحو الشمال بحثاً عن الأمان والاستقرار دون أن يكون لهم يد في ما يقوم به المتمردون داخل الغابات. وهذا بالضرورة قد شحن النفوس بالإحساس بالتهميش والدونية وهو ما اتُخذ ذريعةً للانفصال الآن. علماً بأنني مازلت أؤكد على أن هناك العديد من النماذج الجنوبية التي نلتقيها يومياً في حياتنا العادية البسيطة لم تختر الانفصال ولم تقتنع به ولم تسعَ له. { إذن، أن تأتي متأخراً خير من ألاّ تأتي. ورغم وقوع الانفصال فلايزال أمام أجهزة الإعلام ما تقوم به في إطار تعزيز وبناء الثقة مع إنسان دولة جنوب السودان، على أمل أن تتَّسم العلاقة بين الدولتين بالمودة والسلام. ورغم أننا قد تقاعسنا عن استغلال الفترة ما بين معاهدة السلام وقيام الاستفتاء الأخير إعلامياً كما يجب للتأثير على مسار الأحداث إلا أن الوضع الراهن يتطلب تحركاً عاجلاً ومدروساً من كافة الأجهزة والكوادر الإعلامية لتهيئة الأوضاع وتنقية الأجواء من أدران المشاحنات والعداء والسخط؛ لا سيما الصحافة التي يبدو واضحاً أن بعض نماذجها تمضي نحو شحن النفوس بالبغضاء والكراهية وهذا ضد مصلحة الجميع. { عليه، يجب على كافة أهل القبيلة الإعلامية إبداء حسن النية ومد جسور التواصل مع الآخر، وهذا يتطلب وضع خطة غير مباشرة بحيث لا يستشعر هذا الآخر أننا لازلنا نفرض عليه الوصاية، على أن تظل صورة الجنوبي حاضرة وموجودة في جميع وسائل الإعلام؛ فليس من الحكمة أن نحاول أن نلغي كل التفاصيل والمشاهد والبرامج التي لها علاقة بالجنوب، مثلما يحدث الآن في بعض الأجهزة، كما أننا يجب أن نلقي بالاً إلى مناطق التماس التي أصبحت تشكل جنوب السودان الشمالي، ونهتم بالإنسان هناك حتى لا تتكرر المأساة. وعلينا ألاّ ننسى أن جهودنا التي يجب أن نبذلها وتسخيرنا للفضائيات والإذاعات والصحف، سيُجابه حتماً بوجود إعلام مناهض من الكيانات التي من مصلحتها أن يتم الانفصال الشامل وتقع القطيعة بين الدولتين لتحقيق مصالحهما الشخصية. { الآن، نحن كإعلاميين أمام تحدٍ كبير يقع على مرحلتين: الأولى تبدأ منذ الآن وحتى 9/7 وهي مرحلة الإعداد للانفصال تدريجياً وحل جميع المشاكل المعلقة. والثانية تبدأ منذ 9/7 فما بعدها عقب إعلان الدولة الجديدة تماماً. وعلينا أن نضع في الاعتبار أن العمل على بناء الثقة المفترضة هذه لا يستهدف بالضرورة إنسان الجنوب فحسب؛ فحتى نحن في الشمال نحتاج لرسالة إعلامية إيجابية تهدئ النفوس وتزيل الاحتقان النفسي الذي يعانيه بعضنا جراء إحساسنا بجحود الإخوة الجنوبيين الذين اختاروا البعاد وباعوا عُشرتنا واستضافتنا الكريمة زمناً. والمهمة برمَّتها عسيرة وصعبة وتحتاج إلى تضافر كل الجهود والإيمان المطلق بضرورة وضع خطط إعلامية موجهة ودقيقة حتى لا نُرغم من جديد على العودة إلى مربع الحرب ونحن في غنًى عن كل ذلك. { تلويح: أتمنى أن تجد توصيات هيئة المستشارين في هذا الصدد كل العون والتقدير من الإعلاميين والقادة؛ فالقضية تستحق الاهتمام.