عندما يتم اختيارك لتكون ضمن الذين سيتقاعدون للمعاش، ينتابك ألم داخلي لكونك ستفارق إخوة وزملاء أعزاء عليك. ولكن عندما تعي وتعرف أن هذه إرادة المولى عزّ وجلّ، وسُنّة الحياة العملية، ينتابك يقين وإيمان، وتنتابك أيضاً سعادة قوية عندما تجد من يُقيِّمك ويعدِّد مآثرك ويدعمك مادياً ومعنوياً، رغم أن «المال» سيذهب ولكن تبقى الكلمات الطيبات!!! أقول هذا وفي البال معاشيي شركة السكر السودانية الذين تم تكريمهم بمصنع سكر الجنيد والبالغ عددهم «123».. التكريم بدأ «بالزفة» التي جابت مع المعاشيين المصنع وما جاوره ليأتوا إلى مكان الاحتفال وهم أكثر سعادة لأن «الوصول» للتقاعد ليس هو نهاية «المطاف» للإنسان ولكنه اكتشاف للذات وفتح لآفاق في حياتهم. وكما قال مدير مصنع الجنيد فإنهم قدّموا للمصانع شبابهم وعصارة جهدهم، وعملوا في كل الظروف صيفاً وشتاءً، وعملوا في الهواء «الطلق» معرّضين لتقلُّبات «الجو والطقس» ولم يتقاعسوا عن أداء الواجب، حتى أصبحت المصانع كالنجوم في عنان السماء، وبجهد هؤلاء ارتفعت الإنتاجية وتمدّدت الشركة لإنشاء مصانع أخرى ك«الُحرقة ونور الدين» و«هداف ود الفضل»، بالإضافة إلى مصنع سكر النيل الأزرق. ساهموا في رفع الإنتاجية بجهدهم وعرقهم لذلك عندما عزفت الموسيقى وصدح المغني تجاوبوا معه وكأن الكلمات كانت من أجلهم عندما جادت بها دواخل شاعرها.. فالذي قدّم الحفل كان له حضور مميز أبهج الجميع. فالتحية «لأصيل» ويقول: الفينا مشهودة *** عارفانا المكارم والحارة بنخودها الزول يفتخر ويباهي بالعندو **** ونحن أصحاب شهامة والكرم جندو رقصوا وهلّلوا وكبّرواأيضاً مع الكلمات: بطناً جابتك *** والله ما بتندم وما بتعرف تقول غير السريع حرّم نعم هذا هو ديدن سوداننا الحبيب، وديدن أهلنا الطيبين الذين لا تهزهم المحن ولا المصائب نجدهم سبّاقون للخير والعمل الجاد، همهم الارتقاء بالسودان ولا يهم إذا هم داخل الخدمة أو خارجها، لأن الوطنية بالدواخل فهذا ما أكده «محمد أحمد عجبنا» رئيس صندوق تكافل العاملين بالسكر الذي خاطب الاحتفال وهو من ضمن المتقاعدين حيث قال «أنا متألم لفراق أناس عُزاز علينا» وأضاف «تقاعدنا والشركة في عزتها وكرامتها» وأوصيكم بزيادة العمل والإنتاج، الإنتاج ثم الإنتاج لأنه هو السياج الواقي. نعم «بالإنتاج لن نحتاج». كما أكد ذلك «عجبنا».. فالندرة هي التي تؤدي إلى الذُّل والهوان وتجعلك المتسوِّل الذي يسأل الناس أعطوه أو منعوه. فالسودان كان يستورد كل شيء رغم إمكانياته الهائلة وموارده «الجمّة» كانت مصانع السكر تعمل بطاقة «متدنية» جداً حتى توقّفت آلياتها وتبدّدت المساحات. فالتوسُّع الذي حدث جاء نتيجة لجهود العاملين، حيث أكد مدير شركة السكر «كنتم الرجال في أحلك الظروف، عندما كانت ظروف السودان أصعب بكثير في وقت كان الظلام فيه دامس، فنحن راضين عنكم ونحفظ لكم هذا العطاء الجميل»، وأضاف «باسم العاملين نقول إن العطاء سيتواصل وأنتم مطالبين جميعاً بزيادة العطاء والتضحيات، أما الذين تقاعدوا فنقول إن هذه ليست خاتمة المطاف ولكن كلما جاءت الفرصة للإستفادة من الخبرات أنتم الأولى» انتهى. نعم السودان مليء بالخبرات والتجارب، فالكوادر البشرية السودانية مؤهلة تماماً وهي كالغيث أينما هطل نفع، فقط هم بحاجة إلى سياسات واضحة تجاه الإنتاج حتى تتحرك عجلات مصانعها في ظل إنتاج محمي من الضرائب والرسوم والجبايات. فالمنتجون أصبحوا يتخوفون جداً من الرسوم والجبايات في ظل تدنى الإنتاج فحتى المستثمرين باتوا كما يقولون مهددين. لذا فلا بد من الانتباه لهذه الخطوات من أجل إنتاج مستديم في ظل الارتفاع العالمي العالي لأسعار السلع الإستراتيجية. أيضاً علينا أن نُحافظ على الشركات العامة والتي تُعتبر نموذجاً للإنتاج وأن نوفّر لها من الإمكانيات ما يؤهِّلها للانطلاق. فشركات السكر يمكن أن نستفيد منها في إنتاج آخر غير السكر ولا أظن أن لديها «مانع» وللمعاشيين نقول: نغني لود القبايل **** سِيد الراي والفهم أخوكِ يا أم سماح *** ولداً راسي وأصم