عبد الرحمن وابري «جيبوتي» - ترجمها عن الفرنسية عزالدين ميرغني «إياك أن تشبك يديك متفرجاً في حالة سلبية، فالدنيا ليست فرجة» { برافو يا ابني، تهانيّ الشخصية الحارة، وأحضاني الدافئة لك من العالم الآخر، هذا أنا يا سيد مبارك، أبوك يا عزيزي، هل تعرف يا ولدي، إني جدّ فخور بك، أن يخترق صوتي بسهولة، السماوات العلي ليصل إليك، وإلى أذنيك الضخمتين. منذ كنت في المهد طفلاً لاحظ الجميع هاتين الأذنين الضخمتين، المفلطحتين، كأذني الفيل، فقط أريد أن أذكرك بمثل عندنا هناك في أفريقيا، مازلت أحفظه جيداً: «إن النصر له ألف أب، أما الفشل فهو يتيم دائم». إنني أهنئك شخصياً، بعد أربعين عاماً من الصمت، فرغم كل شيء فمازلت أباك الذي تحمل اسمه، وأنا هنا من جانبي أعلنت لزملائي الذين معي، هذا الانتصار العظيم. فأنا جزء من هذا النصر التاريخي، أنا ووالدتك «آن» فخوران بك جداً، لقد التقينا في السماء، ونحن هنالك على معرفة بأخباركم، آه! ماذا تفتكر أيها السيد الجديد، فنحن هنا أيضاً قد تعاطفنا وتأثرنا بهذه الانتخابات، رغم أن الصحف المشهورة مثل النيويورك تايمز واللوموند والفرانكفورتر، تصلنا في اليوم التالي، لكننا على اتصال مباشر بالشبكة العنكبوتية، فاليوم الرابع من نوفمبر قد دخل أيضاً التاريخ هذا. آه يا ابني إنك لا تدري بأن الكل هنا فخور بك، أباك، أمك وجدودك البيض، السود، السمر والصفر، ساكني الجنان، أو المدانين في النار، أو من هم تحت الانتظار للنطق بالحكم، كلهم فخورون بك. أيها الابن المبارك، انتبه لخطواتك الأولى، منذ البداية، فالأمل موجود في المستقبل، وهو لا يصنع الحاضر. ولا تنسى أنك رمز لأشياء عديدة. فأنت أول أسود يصبح رئيساً لأمريكا، والكل ينتظرك، فلا تخيب رجاءهم وتحبط أملهم. فهذا هو قدرك، والإنسان العظيم هو الذي يتعامل مع القدر بحكمة وعقل، فما بالك إن كان رئيساً للعالم السفلي كله. آه يا ولدي، لو قالوا لي يوماً بأنني سأكون.... أنا، باراك حسين أوباما، راعي الأغنام الصغير في الأدغال الكينية المنسية، أول طالب أفريقي في جامعة هاواي، وأول واحد من قبيلتي يتزوج امرأة بيضاء جميلة شابة وليست عانساً، ومن كنساس، ووالد أول رئيس.... أعذرني، فأنا لم أجد الكلمة المناسبة، انتبه فوالدتك «آن» تناديك، برافو مرة أخرى وسانت بيير يهنئك أيضاً على الخط، آه، يا للحكاية، ما هذا الانقطاع، حسناً، الصوت يعود مرة أخرى. هذه معجزة، هل تسمعني جيداً؟ دعني أقول لك ثانية، بعض الكلمات، سأفضفض معك، وبعدها أترك لك الحبل على الغارب، فرغم الغياب مازلت أباك. رغم الغياب، والجسد الزائل، فلي أسبابي ومنطقي. وأعلم أنك ستفهم، وستقدر سلوكي، عندما تعكر مزاجك الصباحي بناتك الاثنتان، الكل يا بني ينتظرك، فالضعيف ينتظر القوي ليفعل، لا ليقول، والأكثر انتظاراً هم أبناء شعبك، انتظار الأمل الممزوج بالشفقة، وأكثرهم شفقة، هم أبناء عمومتك، في اللون والضعف والتهميش. ولكي تبدأ أولى خطواتك هناك نصيحة متواضعة «إبدأ بالعمل وليس بالقول، لا تكن كالذي سبقك، فقد بدأ أولى خطواته، بالذهاب في إجازة». أتذكر العام 1960م وأنا في (هاواي) مختالاً فخوراً، حالماً ومحلقاً بالأماني الجميلة، وقد بدأت أفريقيا تتحرر، وبدأ العالم يتسع والمستقبل يبتسم لنا بفم مفتوح، وكما أوصاني جدودي، شيدت وسرت وبدأت خطواتي، بالجوع، وفتات الخبز، وقوة الصبر، بالمتابعة والمثابرة، وقوة العزيمة، أصحح ما أستطيعه وأقدر عليه، وأضع في طريقي علامات الوقوف والمراجعة. ببعض المنطق والحكمة وتلمس الحقيقة، فأنا رغم كل شيء عندي بعض الخبز على سطح الخشبة، وبحكم السن أمتلك بعض الخبرة. وفي أواخر عمري بدأت في وضع الأشياء في أماكنها، وقد أخذ هذا مني بضع سنوات حيث كان الغبار قد تراكم على القضبان، وأغرق حياتي وعطل سيري، وحجب رؤيتي في ضباب كثيف. لحظة ميلادك، لم يكن عندي الإحساس بالمسؤولية والأسرة، كان العالم يطرق بابنا، كانت كينيا الطفل الذي نحمله في داخلنا، وأفريقيا أمنا الرؤوم، نتعلم منها، ونرضع عاداتها، ثراتها وثقافتها، ما تنكرنا لها أبداً رغم بُعدنا، وشهاداتنا، وتجنبت، وتعمدت أن أبعد هذه الأم التي بداخلي عنك، وعن «آن» والدتك لكي أدع الأسرة أكثر انفتاحاً على الكل، فأفريقيا ليست أم الجميع، وقد كانت مجروحة، وقد خرجت لتوها من سجن وأغلال الاستعمار، وهي تضع أقدامها في أول الطريق. فأنت لست أول من استثنيته، فأخوك غير الشقيق «جورج حسين أونيانجو أوباما» الذي ولد في عام 1982م وقد عاش فقيراً في بؤس نيروبي، الذي أراهن أنك لم تتعرف عليه حتى الآن. أيضاً تركت له الحرية كاملة. لا تقيده أبوتي وثقافتي، ولا أمومة أفريقيا وأحضانها الدافئة. وقد أكون مخطئاً، وقد تكون تقفيت أثاره، احتاج إليه واحتجت إليه، فالدم مشترك بينكما كما نقول في أفريقيا لا يتحول إلى ماء. فأنت أيها المبارك، قديس هجين، من البيض والسود، حتماً ستساعد أولئك الذين يعانون من البؤس، ومن الجوع والفقر، كل الأقليات يا بني كل الأقليات مهما كان لونهم، أو بؤسهم. فالبؤس يا بني لا يعرف التفرقة العنصرية، ستنفق عليهم يا بني بجود وكرم، سيقتحمون أرقى الجامعات، ستكون لهم أسهمهم في كبرى الشركات، سيتجولون كمُلاّك في شارع وول استريت. أنسيت يا بني أنني مثلك قد تخرجت في جامعة (هارفارد) فنحن زملاء ويجمع بيننا شيء مشترك، ألم تلاحظ ذلك؟ إنني عندما أحلق في السحاب عالياً، أتذكرك، وأرى ظلك يتبعني، يماشيني، يا للذكريات البعيدة، ومثل كل الأسر، فحياتنا كانت مليئة بالثقوب، والثغرات، وأنت لحسن الحظ ستمثل النجاح في الأسرة، وأنا كنت الأب الفاشل، فإن كان لأحد الفضل في نجاحك هذا فهي والدتك «آن»، لقد ساعدت في تربيتك، أشرف تربية، رغم آلاف الأميال التي كانت، تفصل بينكما، شكلتك، عجنتك، وعندما جاءت إلينا كانت مطمئنة، أن رسالتها قد اكتملت، وبذرتها ستنمو شجرة وارفة الظلال. لقد كانت حتى بالنسبة لي، الدافع القوي للعطاء والنجاح، فالحياة دون امرأة لا تساوي شيئاً، هكذا يقول الكبار في قبيلتنا الكينية الصغيرة قبيلة «اللو» الذين كانوا يعددون في النساء والزوجات، حتى تتعدد الدوافع في الحياة العريضة، وأعتقد بأنك وجدت في «ميشيل» المرأة المثالية. في قريتي الصغيرة «كوجيلو» التي تقع في غرب البلاد، كان المزارعون ومنذ عشرات السنين يفلحون ويزرعون الأرض التي ما كانت دائماً تعطيهم ما يريدونه، لقد أخذ المستعمرون في كينيا أخصب الأراضي، بالقوة، وجعلوا أهل الريف يهاجرون إلى المدن يعيشون في أطرافها مثل نيروبي في الماضي والحاضر، مثل ممبسا وكيسومو. وحتى الآن وبعد الاستقلال فإن إقليمنا في «نيانزا» هو الأكثر ظلماً وتهميشاً. لقد أطلق علينا أهل السياسة «الأقلية» وبعد الاستقلال كنا لا نجد حفنة خبز من الذرة الشامي، ولا حبة أسبرين تداوي صداعنا الدائم. رغم البحيرات والمحيطات والأراضي الخصبة، وكانت مأساتي هي كينيا، لذلك أدمنت الشرب، لأنني أنا المتعلم من هارفارد لم أستطع أن أقدم لها شيئاً، لقد حفرت بداخلي بئراً عميقة، لم ترتوِ أبداً، فاغرة فاهها أبداً، حتى غرقت فيها دون أن أدري بذلك. إنني لم أخاطبك لأنكأ جراحي، ولكنني لكي أنساها، وأسلاها، فأنت أول أسود في التاريخ الأمريكي يفتح لك هذا البيت الذي يسمونه الأبيض. بدخولك فيه يحس لأول مرة كل السود، والصفر، واللاتينيين، كل البؤساء والمساكين، بأنهم حقاً، أمريكيون، وأنهم بأجمعهم قد دخلوا هذا البيت، وأنه أصبح ملكهم. فلا تخيب ظنهم فيك، فأنت لا تحمل فقط اسم أوباما، فأنت تمثل كل أفريقيا وكل الجنس الأسود، وكل فقير وبائس، «ماليا» «وساشيا» ستكونان فخورتان بك. إذا كنت حقانياً وعادلاً ومستقيماً. آه، لقد انتهى رصيدي وزمني ولكنني ارتحت فقد قلت كل ما عندي. انتبه سينقطع الاتصال الآن.