{ استنتج الإسرائيليون، أو بعضهم، وبعض الأوروبيين والأمريكيين أن عدم حرق علم أمريكي واحد في التظاهرات الصاخبة التي اندلعت في بعض الأقطار العربية، مثل تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين، ونتج عنها حتى الآن إقصاء ديكتاتوريْن من الحكم؛ هما التونسي زين العابدين بن علي والمصري محمد حسني مبارك، استنتجوا أن المزاج العام في الشارع العربي لم يعد كما كان في العقود الماضية معادياً كارهاً للولايات المتحدةالأمريكية. { واستنتجوا أيضاً، استناداً إلى قلة الأعلام الإسرائيلية التي أُحرقت أثناء تلك التظاهرات، أن الشارع العربي لم يعد مثقلاً بكراهية إسرائيل ورفضها مثلما كان الحال أيضاً في العقود القليلة الماضية. { والحقيقة أن تركيز المتظاهرين العرب في الأسابيع الماضية كان حول الخلل داخل أقطارهم وكان هذا الخلل متمثلاً في الفساد في قمة السلطة والبطالة وانعدام الديمقراطية والهيمنة الرئاسية العائلية على أموال البلد وثرواته. { ولم يفصح المتظاهرون العرب عن موقفهم من إسرائيل ولكن ليس معنى ذلك أنهم يقبلون بوجودها ولا يعنيهم مصير الفلسطينيين، والأرجح أن رأي المتظاهرين أو الثوار العرب هو أن الحل يبدأ من الداخل، وأنهم ما لم يصححوا الأخطاء الكثيرة داخل دولهم لن يستطيعوا أن يفعلوا شيئاً في ما يتعلق بإسرائيل وبالقضية الفلسطينية. { وكأنَّ التاريخ يعيد نفسه - وإنْ بشكل مختلف - ففي الحرب العربية الإسرائيلية الأولى التي اشترك فيها مع آخرين الجيش المصري وكان من ضباطه المحاربين جمال عبد الناصر وبعض زملائه ممن شكّلوا في ما بعد مجلس قيادة الثورة الذي حكم مصر في يوليو 1952م، تكشّف لأولئك الضباط سوء الموقف العسكري المصري من كافة النواحي وكان أن استنتجوا أن الانتصار على إسرائيل يستلزم في المقام الأول إزالة النظام الملكي الذي يحكم مصر، وقد أزالوه بالفعل بانقلابهم العسكري الشهير الذي نفذّوه في 23 يوليو 1952م وتقلدوا الحكم، لكنهم لم ينتصروا على إسرائيل وإنما حققوا انتصاراً جزئياً عليها في حرب أكتوبر 73. { إنَّ الأولوية الآن في الدول العربية، التي نزلت جماهيرها إلى الشارع، مرتبطة بتصحيح الأوضاع الداخلية ومن الجائز والممكن بعد استتباب الأمر للثوار العرب أن يفتحوا الملف الإسرائيلي، وملف القضية الفلسطينية وسوف يكون لهم رأي وموقف وقرار. { ولقد فرح واطمأن الإسرائيليون بعدم انشغال المتظاهرين العرب بهم، وفي تصورنا أن هذا الفرح لن يستمر كثيراً ولا الاطمئنان.