تفاصيل رواية خاصَّة من داخل قصر «القذافي»..! اقتربتُ من (العقيد) وتفرَّستُ في وجهه.. كان يضع (كحلاً) أخضر على عينيه!! يا لها من (فضيحة) يا «ساركوزي»!! متى ستسدِّد (فاتورة) الانتخابات؟! { عام 2007، سافرنا إلى ليبيا انطلاقاً من مطار «نيالا» الدولي، لحضور مراسم توقيع حركة تحرير السودان جناح (الشاب) «أبو القاسم إمام» على اتِّفاق سلام مع حكومة السودان ممثلةً في مسؤول ملف دارفور الراحل الدكتور «مجذوب الخليفة أحمد»، ووالي جنوب دارفور الأسبق المهندس «الحاج عطا المنان إدريس». { جاء «أبو القاسم» من أعلى «جبل مرة»، حيث كان متحصِّناً وسط قواته، وحطَّت طائرة «هيليوكوبتر» - أقلَّته من (الجبل) - على مدرج مطار «نيالا»، حوالي الثامنة مساء، فيما كانت ترابط بالمطار طائرة «ايرباص» ضخمة، تابعة للخطوط الجويَّة الأفريقيَّة، المملوكة للجماهيريَّة الليبيَّة، تنتظر الإقلاع بأعضاء الوفدين (الحكومة، وحركة أبو القاسم إمام). { في صالة كبار الزوار، وجدتُ نفسي وجهاً لوجه أمام أحد قادة حركات التمرُّد، كان شابَّاً نحيلاً، يرتدي زيَّاً عسكريَّاً ولكن بلا (رتبة)، بينما يزدحم عضده الأيمن بكميَّة من (الحِجبات)!! التقطتُ له عدَّة صور، بدا فرحاً، مندهشاً، ومتوتِّراً في ذات الوقت، كلما صفع وجهه (فلاش) الكاميرا!! { ورغم أن القائد «أبو القاسم» طار من «جبل مرَّة» إلى «نيالا» بطائرة (حكوميَّة)، إلاَّ أنَّه وجماعته (الملثمين) رفضوا السفر إلى «طرابلس» مع وفد الحكومة في طائرة واحدة!! { باءت كل المحاولات بالفشل لإقناعهم بالعدول عن ذلك الموقف (الغريب)، فدخلنا «نيالا»، بينما طارت «الايرباص» بالقائد وجماعته إلى طرابلس، لتعود في الصباح الباكر لتقلَّنا - نحن وفد الحكومة - في (الدور الثاني)!! { بتنا ليلتنا بدار الوالي «الحاج عطا المنان»، ثمَّ توجَّهنا صباحاً إلى المطار، لتبدأ رحلة المتاعب إلى (ليبيا القذَّافي). { في ليبيا، يجب ألا تحلم بإطلاعك على برنامج محدَّد، بزمن محدَّد، فقط عليك الانتظار، إلى أن تهبط إلى وفدك الأوامر بالتحرُّك، ولا تسأل: إلى أين نحن مُساقون؟ لأنَّه لا أحد يعلم!! { تمَّ توقيع الاتفاق مع «أبو القاسم».. وتبادل الوفدان الكلمات، والابتسامات، وتمَّ توزيع نصوص الاتِّفاق، وتبقَّى الفصل الأهم، ألا وهو مقابلة (الزعيم) الليبي معمَّر القذافي لأعضاء الوفدين. (أبو القاسم من مواليد 1974 وأصبح والياً لولاية غرب دارفور نتيجة لذلك الاتِّفاق.. لكنَّه عاد إلى التمرُّد الآن بعد تعيينه وزير دولة)!! { بعد التوقيع قالوا لنا: عودوا إلى الفندق، وانتظروا الأوامر!! فعُدنا.. غير أنَّني لم ألتزم بالأوامر، إذ تسلَّلتُ عند السابعة صباحاً في اليوم التالي قاصداً فندق «المهاري»، الفندق الأكثر فخامة في العاصمة الليبيَّة، بينما كان وفد الحكومة يقيم في «الفندق الكبير»،وهو أيضاً من فئة «الخمس نجمات»، أمَّا نحن، الوفد (الشعبي) و(الإعلامي)، فقد خصَّصوا لنا فندقاً قديماً وبائساً، من ذوات الثلاث نجمات، فتسلَّلتُ منه صباحاً عندما كان بقيَّة أعضاء الوفد يغطُّون في سبات عميق، موليَّاً وجهي شطر «المهاري» المطل على البحر، بعد أن رتَّب لي المهندس «أبوبكر حامد»، مستشار رئيس حركة «العدل والمساواة»، موعداً للقاء بالدكتور «خليل إبراهيم» رئيس الحركة. { أمام (المصعد) بالفندق الكبير، وجدت نفسي أمام الدكتور «خليل إبراهيم»، وعدد من مساعديه، بينهم «أبوبكر حامد»، فأخذت رقم جوَّاله في ليبيا وتابعت معه، حتَّى تحدَّد موعد اللقاء خلال (24) ساعة. { قطعت المسافة مشياً على قدميَّ، سألت عن «المهاري»، فأشاروا إليَّ بالاتِّجاهات، فأنا حيث عهد بالمدينة، ولم يسبق لي زيارتها. الشوارع كانت شبه خالية، والطقس كان رائعاً، نسائم باردة وعليلة تداعب خياشيمي من جهة البحر الأبيض المتوسط.. { دلفتُ إلى استقبال «الفندق»، وطلبت رقم غرفة «أبوبكر حامد»، فكان أمامي بالاستقبال خلال دقائق، رجل مهذب، ومتديِّن، هادئ القسمات، وجهه موسوم بالورع، هكذا قابلني، ومضى بي عبر المصعد إلى جناح السيد «خليل إبراهيم». (بالمناسبة للمهندس أبوبكر ابن يدعى «عاصم» ينشط في كتابة الإساءات بالمواقع الإلكترونيَّة، يبدو أن الابن مظلوم، فالمثل يقول: (من شابه أباه فما ظلم)!! { ضغط «أبوبكر» على «الجرس» عدَّة مرات، لكنَّ أحداً لم يفتح الباب، تأخَّروا بضع دقائق، ربما إجراءات (أمنيَّة) احترازيَّة. بعد قليل كنت في مواجهة «خليل» بكامل أناقته، وإلى جواره رجلان أحدهما (ملثم)، وظلَّ هكذا إلى نهاية اللقاء، رافضاً الكشف عن هويَّته، رغم تعدُّد مداخلاته أثناء الحوار الصحفي الذي نشرته بصحيفة (آخر لحظة). { دكتور «خليل» قال لي: هذا ضابط سابق بالجيش السوداني!! { قلت له: ولماذا يخفي نفسه، يُفترض أنَّ المخابرات السودانيَّة، عبر مناديبها في السفارة أو مصادرها الأخرى، تعرف حقيقة هذا الرجل، وتحتفظ بصورة له، وبسيرة ذاتية.. { سخر (الملثَّم) من حديثي.. وقال لي: السفارة ما عارفه أيَّ حاجة!! { خلال الحوار بدا «خليل» ناقماً جداً على السيِّد «منِّي أركو مناوي» الذي كان وقتها يشغل منصب كبير مساعدي رئيس الجمهوريَّة.. «خليل» كال الشتائم ل «مناوي» وتبرَّأ من «الترابي»، وقبله من الدكتور «علي الحاج»!! وعندما قلت له: (د. علي الحاج كان يمثِّل دارفور، وكان بمثابة رئيس الوزراء خلال سنوات الإنقاذ الأولى؟).. ردَّ عليّ قائلاً: («علي الحاج» كان يمثل «الترابي» ولم يكن يمثل دارفور)!! { جمعتني ظروف العمل المهني أيضاً بشقيق «خليل» عقل (الحركة) المدبِّر، الدكتور «جبريل إبراهيم»، خلال زيارة لي إلى العاصمة البريطانيَّة «لندن»، تلبيةً لدعوة من قناة «المستقلَّة» وصاحبها الدكتور «محمد الهاشمي الحامدي»، بريطانيِّ الجنسية، تونسيِّ الأصل، سودانيِّ الهوى. { أجريت حواراً مع «جبريل» - على الهواء مباشرة - من استديو «المستقلة» في «لندن»، وحاورته (خارج الهواء) قبل وبعد البث. «جبريل» رجل خلوق، ومازال متمسِّكاً بدينه وولائه لفكر الحركة الإسلاميَّة. قلت له: أنتم مُستغَلُّون من دول إقليميَّة مجاورة للسودان، وأخرى كبرى بعيدة؟ قال لي: (نحن نعلم أجندة ليبيا، وتشاد، ونعلم ماذا يريد منا المصريُّون والقطريُّون، ولسنا أغبياء، ولكنَّ الحكومة لن توقع اتفاقاً نهائيَّاً للسلام إلى أن يتم إجراء الانتخابات)!! تُرى هل صدق تحليل «جبريل» الذي درس باليابان.. ويقيم في بريطانيا، وكان مديراً لشركة طيران تابعة للجيش السوداني؟!! { نعود إلى طرابلس، فبعد أن أنهيت مهمة (الانفراد) التام بحوار (خبطة) مع «خليل إبراهيم»، دون علم بقيَّة الزملاء والزميلات من أعضاء الوفد (الإعلامي)، رجعت إلى الفندق البائس، فوجدت أعضاء الوفد من زعماء القبائل والعشائر الدارفوريَّة، قد تهيَّأوا تماماً لمغادرة الفندق والتوجُّه عبر الحافلات إلى مقر إقامة العقيد «معمر القذافي». { لكنهم - ولشقاوتهم - ظلُّوا منتظرين ثلاث ساعات أخرى، (متسمِّرين) على كراسي كافتريا الفندق، والعمامات تتطاول، و(الجلاليب) ما تدِّيك الدرب!! { أخيراً.. نحن أمام قصر «باب العزيزيَّة» - مقر إقامة العقيد الآيل للسقوط - طلب منَّا أفراد الأمن الاصطفاف في طابور ثمَّ العبور عبر بوابات آليَّة للتفتيش، نُصبت خارج القصر.. ألزموا الجميع بالمرور عبر البوابات، حتَّى الوزراء!! { كل هذا (لا غبار عليه)، لكنَّ الأغرب أنَّهم طلبوا منَّا خلع الساعات، وترك أجهزة الموبايل، والكاميرات الصغيرة، وأجهزة التسجيل، وكل شيء مصنوع من الحديد ومعادن أخرى.. تركها جميعاً داخل السيَّارات، خارج أسوار القصر، والدخول إلى ساحة مولانا «القذافي» متحلِّلين من كل المتعلّقات، عدا الملابس!! وقد كنت أخشى أن يحدِّدوا الملابس (القطنيَّة) فقط للدخول!! { ودخلنا.. الوفدان لا يقل عددهما عن «مئة» شخص.. مشينا.. ومشينا.. رياضة إجباريَّة.. إلى أن وجدنا أنفسنا داخل (خيمة) العقيد الرحيبة.. { (الزعيم) لم يكن هناك.. أخذ كلٌ منَّا مقعده، وانتظرنا ساعةً أخرى، ورجال الحراسة والمراسم منهمكون في تنظيف و(تعقيم) وتهذيب الكرسي الذي سيجلس عليه العقيد، وانخرط آخرون في تحسُّس مايكرفونات الفضائيَّات التي تراصَّت على منضدة أمام الكرسي الفخيم. { لم ألتزم بالتعليمات هنا أيضاً، فقد انتابني القلق، وتملَّكني الضجر، وأنا بطبعي ملول.. وأكره الانتظار، حتَّى لو كان انتظاراً لهذا (الزعيم) غريب الأطوار، الذي حيَّر العالم، و(جهجه) أمريكا، و(موَّل) حملة الرئيس «ساركوزي» الانتخابيَّة في «فرنسا»!! يا لها من فضيحة يا «ساركوزي».. ويا «كارلا»!! «سيف الإسلام القذافي» يطالب الرئيس الفرنسي - راعي محكمة الجنايات الدوليَّة - بإرجاع المبالغ التي صرفها والده على حملته الانتخابيَّة الديمقراطيَّة جداً.. من أجل إحقاق العدالة.. وإرساء دعائم حقوق الإنسان!! يجب أن تستقيل يا «ساركوزي» قبل سقوط «القذَّافي».. فقد انكشف أمرك و(طلعت كاتل الجدادة الليبيَّة وخامِّي بيضها)..!! { بمناسبة (الجداد).. أطال الله عمر أستاذنا الكبير «محمد سليمان» (جراب الحاوي).. الإعلامي الضخم.. والساخر العجيب.. فقد سأل في برنامجه التلفزيوني الشهير (بدون عنوان) ذات سهرة: (كم بيضة تبيض الدجاجة في اليوم؟).. ربما كان ذلك في عقد التسعينيَّات من القرن المنصرم.. وكان ضيوف البرنامج الجماهيري، رابطة طلاب «الدروشاب»، إن لم تخنِّي الذاكرة، فانبرى أحد الطلاب للإجابة متعجِّلاً: (بيضتين يا أستاذ)!! فما كان من أستاذنا إلاَّ أن ضحك وقال: (ده جداد الدروشاب.. وللاَّ شنو؟!!) مع الاعتذار لأهلنا وقرَّائنا في «الدروشاب»، ولزميلنا الرقيق مدير تحرير «آخر لحظة» «عبد العظيم صالح». { بعيداً عن سيرة (الجداد وبيضو)، وهناك حول خيمة «القذافي»، تسللتُ إلى خارجها أراقب المشهد، الأرض فسيحة وممتدَّة، لدرجة أنَّ المباني تلوح بعيدة، بينما تسرح بعض الإبل (المحظوظة) على مسافة ثلاثمائة متر من «الخيمة». (يُقال إن سر تجدُّد شباب القذافي يكمن في تناوله المستمر للبن الإبل). { ظللتُ (أتبصص) خارج الخيمة إلى أن لاحت، من على البعد، سيارة «بي. ام. دبليو» من طراز عتيق، تتهادى ببطء صوب الخيمة. { اقتربت السيارة، فظهر داخلها العقيد «القذافي» في المقعد الأمامي جوار السائق.. ولا يوجد أحد بالمقعد الخلفي. { هبط العقيد، فهتف له بعض «الهتِّيفة»، ثم دخل الخيمة، فقام الجميع إجلالاً واحتراماً، وأخذ مقعده، وهو يحمل (منشَّة) لضرب «الذباب»!! { بدأ يتحدَّث.. قدَّم لنا - نحن الشعب السوداني الكريم - محاضرة في القيم والأخلاق.. وسخر منَّا.. ومن حركات التمرُّد قائلاً: (صار الشعب السوداني في دارفور لاجئاً.. ونازحاً.. أصبح السودانيُّون شحادين بسبب الحرب.. الحركات تقاتل مقابل عشرة أو عشرين ألف دولار)!! { لكنَّ (العقيد) لم يعترف في (لحظات التجلِّي) تلك بأنَّه هو - وليس غيره - من يدفع تلك «العشرة» و«العشرين» ألفاً، بل «المئة» والمئتين.. و«المليون» دولار لإحراق دارفور!! { ظلَّ «القذَّافي» يتحدَّث لأكثر من ساعة.. وبيْن كل فينة وأخرى يضرب (بالمنشَّة) على المياكرفونات ليقتل «ذبابة»، فُيحدِث دويَّاً: (طاااآخ)..!! { عندما أنهى خطبته العصماء، تبعه مراسلو الوكالات، والفضائيَّات العربيَّة والأفريقيَّة، وتحلَّقوا حوله في شكل دائرة صغيرة، وهو واقف متلفِّحاً بعباءته الملوَّنة، محدِّقاً في السماء، اقتربتُ منه، كان على بعد سنتيمترات منِّي، تفرَّست في وجهه، ما زالت فيه بقايا شباب رغم بعض (التجاعيد).. كان يضع (كحلاً) أخضر على عينيه.. وصوته يخرج خافتاً من بين شفتيه، وكأنَّه يخرج من مكان آخر..!! { سألوه عن الخلافات العربيَّة - العربيَّة، وكان مزهواً تلك الأيام بعزوته الأفريقيَّة فقال: (أنا مليش علاقة بالعرب.. ومشاكلهم.. نحن نعمل الآن من أجل توحيد أفريقيا...)!! { نعم يعمل من أجل (توحيد) أفريقيا.. و(تقسيم) السودان!! فقد فضحه الفريق «سلفاكير» رئيس حكومة الجنوب، العام الماضي، عندما قال في خطاب بإحدى كنائس «جوبا»: (في زيارتي الأخيرة إلى ليبيا طلبني العقيد «القذافي» عند الثالثة صباحاً.. وقال لي: إذا كنتم تريدون انفصال الجنوب.. فلا تخشوا أحداً)..!! { ولم يخشوا أحداً.. فانفصلوا.. واحترقوا.. وها هم يصرخون ويموتون بالمئات، من «جونقلي» إلى «أعالي النيل» إلى ولاية «الوحدة».. ولاية البترول..!! { الجنوبيُّون يموتون ويصرخون.. والليبيُّون كذلك..!! و(العقيد) أيضاً يصرخ..!! وساركوزي.. يشارك بفاعليَّة في تنفيذ (الحظر الجوِّي) على «ليبيا» قبل أن يسدِّد للشعب قيمة (فاتورة الانتخابات)!! وعاشت الديمقراطيَّة.. { انتهت الرحلة.. ولم تنته الأزمة. { وكل سبت.. وأنتم بخير.