قطر - دارفور - الهندي عز الدين «خليل ابراهيم» كان خطابه وحدوياً ومهذَّباً .. ومسؤول ليبي يقود مجموعة طرابلس! صحفي فلسطيني يسألني بقاعة «شيراتون»: (لماذا تأخَّروا؟! هل يمكن إلغاء الاتفاق؟) الشيخة «هند» .. والسيِّدة «وداد» .. سكرتارية.. وحملات انتخابيَّة { تأخَّر التوقيع على الاتفاق الإطاري ووقف إطلاق النار بين الحكومة وحركة العدل والمساواة بالدوحة مساء الثلاثاء إلى نحو ساعتين من الزمن، وسرت حالة من التوجس والقلق و«الململة» وسط الوفود المشاركة في حفل التوقيع، وفي شرفة الإعلاميين بقاعة فندق «شيراتون الدوحة»، كان صحفي فلسطيني يعمل بصحيفة قطرية ناطقة بالإنجليزية يسألني باستمرار: «لماذا تأخروا؟ هل يمكن أن يُلغى الاتفاق؟ هل...؟!» { كنت أجيبه بالتحليل واستقراء الوقائع، لا بمعلومات خارجة من وراء الأبواب المغلقة، حيث كان المضيف أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة، والرئيس البشير، والرئيسان الأريتري «أسياسي أفورقي» والتشادي «ادريس دبِّي»، يعقدون جلسات جانبيّة، بينما يتحرك الشيخ حمد بن جاسم رئيس الوزراء والشيخ أحمد بن عبد الله آل محمود وزير الدولة للخارجية، بيْن وفدي الحكومة وحركة العدل لدفعهما إلى القاعة المخصصة لمراسم التوقيع. { والصحفي الفلسطيني القادم من نابلس يلاحقني بالأسئلة: «هل يمكن ألا يتم التوقيع؟»، قلت له: سيتم التوقيع إن شاء الله، ولكن يبدو أن حركة العدل تريد أن تستغل الدقائق المتبقية لتمرير مطالب إضافيّة حول موضوع إطلاق سراح الأسرى من المحكومين بالإعدام والسجن، المدانين في محاكم أحداث أم درمان. { كما أنَّني رجَّحتُ أن يكون التأخير بسبب مستوى الشخص الذي سيقوم بالتوقيع، هل سيوقِّع د. «غازي صلاح الدين» ود. «خليل إبراهيم»، أم سيطالب «خليل» بتوقيع الرئيس البشير، لأنَّني أعرف جانباً من شخصيَّة «خليل» إذ جلست إليه لساعات بفندق «المهاري» بطرابلس في ليبيا عام 2007م، سقف مطالبه عالٍ، وكبرياؤه تطاول الجبال. { وقد صدق حدسي، إذ قرَّرت الوساطة والطرفان النزول بمستوى الموقِّعين إلى درجة كبير المفاوضين، فوقَّع عن الحكومة الدكتور «أمين حسن عمر»، فيما وقَّع عن العدل والمساواة «أحمد تقد لسان» رغم أنه اتفاقٌ يفوق في أهميته الاتفاق الإطاري الأول لإيقاف العدائيات المؤرَّخ في فبراير 2009م الذي وقَّعه عن الحركة الدكتور «جبريل إبراهيم» الرجل الثاني - عمليَّاً - في الحركة. { المهم أنَّ الطرفين وقَّعا على الاتفاق، وكفى الله المؤمنين شرَّ القتال، وكانت كلمة زعيم الحركة د. خليل إبراهيم مانعة وجامعة، وكانت لغة الخطاب راقية ومهذبة، فقد أعطى الرئيس البشير حقَّه من الاحترام والتوقير، وزاد على ذلك بأن عانق الرئيس في مشهد درامي مؤثِّر، تعالت فيه الصفقات، وغابت عنها «أكثر» الكاميرات..!! الغريبة أن رجال الأمن القطري منعوا الصحفيين من استخدام الكاميرات الفوتغرافيَّة، حتى من على الشرفة، خوفاً من «الفلاشات»!! وعلى بوابة قصر العقيد «معمر القذافي»، قائد ثورة الفاتح من سبتمبر الليبية، صادر رجال حراسته، ذات زيارة لتوقيع اتفاق مع حركة «أبو القاسم إمام»، صادروا كل متعلقات الوفود، الكاميرات، والساعات، والموبايلات، وكل ما صُنع من حديد!! فامتلأت سيارة السفير السوداني بمتعلقات الوفد السوداني، وذهبنا إلى لقاء العقيد متجرِّدين من كل حديد ونحاس وقصدير!! { «خليل» كان مهذّباً في خطابه، ودعا إلى التمسك بوحدة السودان - الخط السياسي لصحيفتنا «الأهرام اليوم» - وقال: «عيب أن نكون عايشين والسودان ينقسم لدولتين»..!! { وعكسه تماماً، كان خطاب «محجوب حسين»، أحد أعضاء الحركة الجديدة «التحرير والعدالة» التي جاءت نتاج توحيد (8) حركات من «طرابلس»و«أديس أبابا»، وسبحان الله فقد صارت الحركات تُعرف بالعواصم: «مجموعة طرابلس، ومجموعة أديس، ....»!! { وقد أخطأت الوساطة القطرية عندما منحت «محجوب» فرصةً لإلقاء كلمة باسم «حركة التحرير والعدالة» في مؤتمر صحفي يُفترض أنه مُخصص للحديث عن توقيع الاتفاق الإطاري مع حركة العدل والمساواة، يتحدث فيه أمير قطر والرؤساء «البشير» و«أفورقي» و«دبِّي». { «محجوب حسين» قال إن السلام في دارفور مازال بعيد المنال!! وكأنَّه - ومن وراءه - يريدون أن يقولوا إن الاتفاق مع حركة العدل والمساواة لا يعني كثير شئ، إذ مازالت هناك نحو (24) حركة لم توقع على الاتفاق! { (الحركات) المسمّاة (مجموعة طرابلس) تجتمع دائماً حسب ما أفادنا مراقب من فندق (موڤنبيك) مقر إقامتهم بحضور مسؤول ليبي، يزعم البعض أنه «ضابط مخابرات ليبي»!! ولا تتحرك المجموعة، ولا تتخذ قراراً إلاّ إذا تحرك أو قرر المسؤول الليبي!! حقاً إنها مجموعة طرابلس!! { إنّها «حركات الانترنت»، مناضلو «الكي بورد».. تلاميذ ورعايا مخابرات التقسيم والتقزيم.. التكسير والتدمير.. وتمزيق السودان.. ولكن هيهات، فحركة العدل والمساواة تمثل (90%) من العمل العسكري للتمرد في دارفور، والبقية الباقية من «عبد الواحد» وإلى «محجوب» نشطاء في الإعلام والشبكة العنكبوتية .. نزلاء دائمون في فنادق «الدوحة» و«طرابس» و«القاهرة»!! { وأصاب الرئيس «أفورقي» عندما قال في المؤتمر الصحفي: «إن التركيز على ظاهرة الحركات جري وراء سراب، ومضيعة للوقت»، منوهاً إلى أهمية الاهتمام بإعداد ورقة تلبي قضايا النزاع، بعيداً عن الأشخاص والحركات، وهي نصيحة غالية من «مناضل» قديم ومعتق تعرفه حواري «الديم» و«القضارف»و«كسلا». { خلف أمير قطر الشيخ «حمد بن خليفة» تجلس شابة بعباءة سوداء، تساعده في تنظيم الأوراق على المنصة، تناوله كوب الماء، خاصة وأنه يعاني هذه الأيام من آثار كسر على ساعده الأيسر، وتضع على أذنيه سماعات الترجمة من الفرنسية إلى العربية عندما يتحدث ضيف مثل «جبريل باسولي» أو «جان بينغ»، لفتت انتباهي هذه السكرتيرة الهميمة النشيطة، وقد رصدتها أيضاً في مؤتمرات القمة العربية تقوم بذات الدور، وبدا لي المشهد غريباً خاصة وأن الرؤساء والملوك والأمراء العرب لا تقوم بخدمتهم - على الأقل في المؤتمرات وعلى الملأ - سكرتيرات. { سألْنا - الأستاذ أحمد البلال الطيِّب وشخصي الضعيف - مدير تحرير الراية القطرية الأستاذ «بابكر عيسى»، وهو صحفي سوداني من جيل المخضرمين في قطر، فكشف لنا الحقيقة وقال: «إنها الشيخة هند بنت الأمير.. وهي مديرة مكتبه»..!! { أعتقد أن «الشيخ حمد» سعيد بكريمته المعجبة بأبيها.. البارة بوالديها.. المخلصة للدولة القطرية. { جلوس الشيخة «هند» خلف أبيها باستمرار، يشبه وقوف السيِّدة «وداد بابكر» هذه الأيام إلى جانب الرئيس البشير في حملته الانتخابية من استاد «الهلال» بأم درمان، حيث كانت بجواره على ظهر العربة المكشوفة وهو يحيي الجماهير، وإلى ميدان «المريخ» بالفاشر، الأربعاء الماضي، فقد كانت أيضاً إلى يمينه بجانب حرم والي شمال دارفور السيدة «سامية محمد صالح» على ظهر «لاندكروز» مكشوف طاف على مواطني دارفور الذين ضاق بهم الميدان الفسيح، ويبدو أن السيد الوالي والمرشح عثمان كبر قد أعد العدة تماما لاكتساح الانتخابات، فقد امتلأت شوارع الفاشر بصوره مع الرئيس ورمز الشجرة بارز على اللافتات وجماهير الفاشر تهتف له «شبر بشبر .. البشير وكبر» !! { وجود السيدة «وداد» إلى جانب الرئيس المرشح في برامج الحملة الانتخابيّة - تحديداً - له أثر كبير في دفع الحملة خاصة في أوساط النساء والفتيات، كما أنه مظهر إيجابي لتماسك أسري، ورسالة «اجتماعية» مهمة يوجهها الرئيس إلى الشباب. { وأيضاً للسيدة «فاطمة خالد» حرم الرئيس أدوار اجتماعية بارزة وأنشطة في مجال العمل الإنساني والخيري، تساعد كذلك في تنشيط الحملة في قطاعات الفقراء والمساكين والمرضى والمحتاجين. { غير أنني أشعر بأن الرئيس في حاجة إلى «مستشار سياسي» غير المستشارين المكلفين بمهام أقرب إلى وظائف الوزراء مثل الدكتور «مصطفى عثمان» والدكتور غازي صلاح الدين »، الرئيس في حاجة إلى مستشار للحملة الانتخابية من خارج الهيئة القومية لترشيحه التي يرأسها المشير (الزاهد) «عبد الرحمن سوار الذهب»، إذ أنه من الأفضل أن يضيف الرئيس فقرات جديدة مختلفة إلى خطبه التلقائية أمام الجماهير، كل فقرة تناسب المكان والزمان، فقد وضح أن البشير مازال يعتمد علي نفسه، واجتهاداته الذاتية في مخاطبة الناس، تبشيرهم وتنويرهم، وليس هناك من أحد يساعده على هذه المهمة، ولهذا يبدو الحديث مكرراً في بعض الأحيان، بينما تحتاج الحملة الانتخابية إلى حشد (الجديد) في كل خطاب. وفي أمريكا - مثلاً - تفرّغ مستشارون لإعداد كلمات المرشح الرئاسي «باراك أوباما»، واختيار ملابسه، وربطات عنقه، وألوان بدلاته الكاملة، وترتيب اجتماعاته، ومداخلاته، ومناظراته، وأرى أن حملة الرئيس حتى الآن مازالت بدائية وتقليدية، رغم الصرف المالي الكبير عليها، وأعلم أن البشير سيفوز ليس لأن حملته قوية، ولكن لأن الناس عرفته وأحبته، ولكننا نريد أن نؤسس لحملة مختلفة لمظهر ديمقراطي مختلف يبقى راسخاً في الذاكرة. { الرئيس يجتهد وحيداً.. الحزب غائب، ولجان هيئة الترشيح تفهم في الحشود، ولا تستطيع التجديد، ومستشارو الرئيس مكلفون بمهام أخرى، كما أنهم مشغولون - ومن حقهم - بدوائرهم الجغرافية التي ترشحوا فيها. { رافق السيد رئيس الجمهورية في رحلة الدوحة الأساتذة «أحمد البلال الطيب» رئيس تحرير «أخبار اليوم»، «فضل الله محمد» رئيس تحرير «الخرطوم»، «كمال حسن بخيت» رئيس تحرير «الرأي العام»، «عثمان ميرغني» رئيس تحرير «التيار»، د. محمد صديق رئيس تحرير «اليقظة»، محمد حامد جمعة مدير تحرير «الرائد» ومندوبو الإذاعة والتلفزيون، وسونا، بالإضافة إلى رئيس تحرير «الأهرام اليوم». { الحافلة المخصصة لرؤساء التحرير في الدوحة تشبه الحافلة التي وفرتها مراسم حكومة شمال دارفور لوفد الإعلاميين، مع فارق أن سائق حافلة الدوحة كان «بنغلاديشي» أو «باكستاني» مخبول، فقد نجونا من أكثر من حادث سير، كما أنه لا يعرف الطرقات والاتجاهات، وقد تاه بنا من أول مشوار من المطار إلى الفندق وظللنا لأكثر من نصف ساعة (رائحين) في شوارع العاصمة القطرية!! أحد رؤساء التحرير علّق وأيّدته أنا، قائلاً: (القطريون ما احترمونا)!! لماذا يرتبط الإعلاميون في أذهان رجال المراسم داخل وخارج السودان بالحافلات!! مع أن رؤساء التحرير يملكون من حُر أموالهم سيارات أكثر فخامة من سيارات بعض الدستوريين!! حاجة غريبة. { الاستاذ محمد حامد الحمري الشهير ب«تبيدي» المستشار بسفارتنا في الدوحة كان الناشط الابرز بين أعضاء السفارة وكان مرابطاً بأستمرار بفندق «ريتز كارلتون» مقر اقامة الوفد السوداني..شكراً تبيدي.. الخرطوم تفتقدك. { رجع الرئيس من الدوحة بعد الرابعة فجر الأربعاء إلى مطار الخرطوم وعاد إليه - وكنا بصحبته - في ذات اليوم عند الواحدة ظهراً لنغادر إلى الفاشر، وعدنا منها عند التاسعة مساء..!! يا له من رهق لذيذ.. !! أي رئيس عربي أو أفريقي يشقى كل هذا الشقاء ؟! { كل اتفاق سلام.. وأنتم بخير.