وكأنه تنقصنا الخلافات والمشاكل، أو كأننا لا نشتم رائحة (الشياط) التي تنبعث من أكثر من بلد عربي. دار خلاف حتى الآن هو خلاف في الأفكار والرؤى، ولا أتمنى أبداً أن يصل إلى مرحلة التشابك بالأيدي أو فرض منطق القوي يأكل الضعيف، والخلاف تدور تفاصيله في الحدود التونسية الليبية، حيث تزدحم تلك الكيلومترات الفاصلة بين البلدين الشقيقين بآلاف الفارين من جحيم ليبيا، وهم من جنسيات مختلفة، في انتظار ترحيلهم إلى بلادهم، وبدأت القصة بأن الفنانين والمخرجين التوانسة أرادوا إقامة ليالٍ احتفالية للترفيه عن أولئك (المحبوسين) دون أسوار وفي سجن كبير يحيطه العسكر خشية أن يتملص بعض من هؤلاء إلى داخل المدن التونسية، وبالفعل احتشد عدد كبير منهم لإقامة هذه الليالي، إلا أنهم اصطدموا برافضين للفكرة برروا لرفضهم بأنه من غير المعقول أن يكون لهم إخوة أشقاء في ليبيا يفصلهم عنهم عدد من الأميال يعيشون معاناة إنسانية غاية في الألم وتقام على الجانب الآخر حفلات غناء وسمر وسهر، وحتى هنا وفي الأمر الكثير من المنطق وأصدقكم أنني اقتنعت بوجهة النظر هذه إلى حين، حيث أنني بعدها استمعت لرأي آخر أدخلني في مأزق التفكير، وأكثر ما يتعبني هو التفكير في قضية تحتمل أكثر من نتيجة وأكثر من رأي، ووجهة النظر الأخيرة وردت على لسان مخرج تونسي استنكر فيها أن يصنف الناس الفن على أنه فقط رديف لكلمة الفرح والسعادة، وأن الفن يشخص أكثر الحالات بؤساً وألماً وحرقة، وأنه ليس بالضرورة أن يكون الغناء الذي يطرح على خشبة المسرح هو للحب والحبيبة، فقد يكون طرحاً لقضايا إنسانية واجتماعية وحتى سياسية ووطنية غاية في الأهمية تسهم في حراك فاعل قد يفيد ويبدل ويعجل بوضع نهاية لقصص كثيرة من الأحداث. وللأمانة راقني جداً حديث المخرج التونسي لأنه حديث أنصف الفن وتحديداً الغناء حتى لا يوضع في سلة اللهو وعدم الشغلة أو أنه أكثر الأحيان انعكاس لقضايا شخصية قد لا تخرج عن حزن فردي أو احتفاء شخصي بفرح يخص صاحبه. لعل هذا الحديث يدخلنا في جدلية يغني المغني وكل يبكي على ليلاه، وبالتالي ليس من حق أحد أن يحكم على تجربة فلان بالفشل أو شعر ذاك بالهيافة طالما أنه يعبر بإمكانياته وطريقته عن مشاعر تخصه أو شخص غيره، ودعوني أؤكد أن الفن والموسيقى يلعبان دوراً مهماً في التوثيق للشعوب باعتبار أنهما المرآة التي تعكس الحالة المزاجية للمجتمع والشكل الذي يحدد ملامحه!! وفي كل الأحوال وإن كنت لا أعلم نوع الأغنيات أو المسرحيات التي كان سيقدمها الإخوة التونسيون للفارين من جحيم القذافي، إلا أنني أعتقد أنهم من الذكاء بما يجعلهم يتخيرون الأعمال التي تعزز اللحمة العربية وتبارك وتزغرد للعودة إلى الوطن، أو الغنائيات التي ترفض الديكتاتورية والذل والهوان، ولو أن هؤلاء رقصوا وغنوا معها لا أظن أنها إشارات أو دلالات على أنهم يعيشون الفرح والرضا في أعلى معدلاته إذ أن الطير قد يرقص مذبوحاً من الألم!! كلمة عزيزة ربما أن الكثيرين ممن يشاهدون نشرات الأخبار يشغلهم محتواها وما تحمله من أخبار للأسف غالبها في هذه الأيام (السودة) صادم ومحزن لكنني وأحسب أن كثيرين يشاركونني الاستمتاع بقارئي النشرات نفسها، فتجدني مبهورة بأداء جميل عازار وليلى التائب وخديجة بن قنة، وأطرب جداً حين يقرأ الأخبار الفاتح الصباغ أو عبد الكريم قباني، ولعلي بصدق افتقدت خاصة في الفضائية السودانية هذا الملمح وكنت أقول في نفسي لم يتبق من (مطربي الأخبار) إلا عمر الجزلي، حتى جاءت هنادي سليمان، سمراء الشاشة السودانية، فأعادت إليّ الثقة في حواء وقلت لا بد أنها ولود وبصراحة وكلقاءات القمة بسحرها وتنافسها تمنيت لو أن أخبار العاشرة جمعت بين الجزلي وهنادي، وتحققت أمنيتي أمس الأول، وأطلت هنادي مع قمة إعلامية يتقزم في حضورها الكبار، لكنها -هنادي- لم تخذلني أو تفسد سعادتي بها، فكانت نداً له في الأداء والحضور والتألق وكأنها قد استمدت ألقها من ألق الجزلي، فكانت أكثر ألقاً، ولكأن الجزلي استعاد شباب صوته من شبابها، فكان صوته أكثر عذوبة وشباباً، ولعلي ألفت النظر إلى المذيعة فاطمة عوض وهي بحيوية صوتها ورشاقته الأنسب والأجدر بقراءة الأخبار الرياضية والثقافية ذات الإيقاع السريع. في العموم شكراً أهل الفضائية وأنتم تمنحوننا أمسية الأحد (غنوة العاشرة) أقصد نشرة العاشرة بهذا الجمال والفخامة!! كلمة أعز رداً على من سألني لماذا لم أكتب عن عيد الأم، قلت إنني أحتفي وأحتفل بأمومتي وأمي صباح مساء، ولا أحتاج إلى استثناء أبث من خلاله مشاعري.