صلاح ابن البادية مايزال هو سلطان الطرب فقد حباه الله بصوت يندر ان يجود الزمان بمثله.. وطوال مسيرته الفنية التي امتدت قرابة الاربعين عقود، قدم خلالها أجمل الاغنيات التي عاشت في وجدان الناس ولم تزيدها الايام إلا جمالاً صلاح ابن البادية بصوته الشجي الريان استطاع أن يتغلب «على طبع الزمن»، ويحتفظ «بالهدف» وبنبرة إحساسه المتزن، ومن يستمع إليه بذات الألق يندهش كيف اقتصر مساحة، زمانية دون أن تتأثر حبائله الصوتية مثل الآخرين.. «فات الأوان» كانت هي فلسفته الفنية التي قدم فيها صوته صعوداً ونزولاً وهو يحتفظ «بلمعة» التطريب، وإذا تمعنت في «سال من شعرها الذهب وتدلى وما انسكب» لأدركت أن الدهشة في عرف البادية تقارب الشمس والمستحيل. سال من شعرها الذهب وتدلى وما انسكب كلما عبثت به نسمة مال واضطرب وعندما يصل إلى المقطع الذي يقول: «نحن شلناك في المقل وقعدنا على اللهب»، تمتزج المتعة مع قوة التطريب مع النفس الطويل الذي يتعب خيول كل القصائد.. هذه الأغنية فيها (تسكاب) رائع للحنين، وفيها وصف فيسولوجي للحيبية الفاتنة ذات الشعر الأشقر، وفيها قيمة جمالية لحنية فاتنة، تتضامن فيها الموسيقى مع صوته الآسر مع المعاني.. وفي أغنية «كلمة» التي اختصرت كل شيء في جملة واحدة حملت جدلاً كثيفاً، فيها التشهد والمواجع والدموع والاعتذارات القاسية والمبررات المنطقية وغير المنطقية، «هي مجرد كلمة في لحظة يأس أنا قلتها ليك..» أعيش في ظلمة وأنت صباحي أنت طبيبي وأموت بجراحي بشعري رفعتك أسمى مكانة يا جازيتني بكسر جناحي صلاح ابن البادية ما زال يغني ولم يتبين الخيط الأسود من الأبيض بعد.. ما زال يحمل نسمة الفرح الطفولي وانعكاسات الحياة.. وبصوته الطروب المخملي قدم (حسنك أمر، اين مي، والمقادير)، وما زال في قلبه مساحة خضراء لروائع قادمة لكي تشرق صباحات أخرى للرائع ابن البادية ونردد معه. ننساك إنت بتنسي ما إنت روحنا وحبنا سافرنا في عينيك ولسه قلوبنا بيك متجننة ولقينا في دنيا العيون يا أسمى من النور غنى كون من رشاقة وأمسيات باقات أنيقة ملونة والفنان صلاح أفرد أغنية مؤثرة يمجد فيها «ست الحبايب» من خلال كلمات الشاعر الأديب الأريب الأستاذ هاشم صديق. وتقول مقاطع الأغنية ألفين سلام يا يمة يا شتل المحنة في وسط الجروف يا بابا يالدرع المتين الليهو كم سجدت سيوف يا جدة أم صوتاً حنين حجواتا بالوادي بتطول يا السمحة يا شمس الفريق الليها كم غنت حروف والآن تماثل للشفاء الفنان المبدع صلاح ابن البادية بعد وعكة ألمت به نتيجة سقوطه على الأرض داخل منزله أدى لكسر في قدمه، ولقد كانت فترة مرضه لحظات مترعة بالأسى والحزن من قبل معجبي فنه ولكن الفرحة عمت قلوبهم عندما منّ الله عليه بالشفاء، وسيظل ابن البادية فناناً سامقاً وصاحب لونية متميزة في مسرح الغناء السوداني وهو الذي يتصف بالعديد من المزايا والخصائص في مجال الفن من أبوابه الواسعة، ويشهد له الجمهور بمشاركته الأخيرة في أماسي أم در الموسيقية، حيث قدم فاصلاً غنائياً رائعاً مليئاً بالطرب الأصيل وأدخل البهجة في نفوس وقلوب الجمهور، متعك الله بالصحة والعافية ودمت ذخراً للوطن وعوناً للجميع.