خاطب السيد الصادق المهدى الأنصار فى الجزيرة أبا الجمعة الفائتة 1/4/2011م وقد جاء الخطاب متسقاً والذهن الجمعى لطائفة الأنصار، بمعنى أن السيد الصادق على يقين تام بأن من يخاطبهم يقرّون بما يقوله قبل أن يتفوه به، إمعاناً فى بركته وصلاحه فهو إمامهم و(ود المهدى)، وهذه حقيقة لا ينكرها أحد، وبالذات وسط كبار السن. بدأ السيد الصادق خطابه من التاريخ المهدوي، وهذه هى كلمة السر التى تجمع المخاطب بالمخاطبين ومن ثم انزلق إلى الحديث عن التنمية الريفية وهو يبشرهم بأن حكومته (كانت) ترتب لجعل الجزيرة أبا أنموذجا للبستنة وتصنيع المنتجات الزراعية والحيوانية إلا أن (الانقلاب) حرمهم من ذلك. ولكن الحقيقة التى تحرج السيد الصادق وتجعله يقول مثل هذا الحديث الذى مضى عليه ثلاثة وعشرون عاماً، أن الإنقلابين قدموا للجزيرة أبا ما عجزت عنه حكومة السيد الصادق، ويكفى الانقلابيين أنهم حرروا الجزيرة أبا وملّكوا قاطنيها بيوتهم، التى لم تكن أصلاً بأسمائهم، وسلموهم شهادات البحث، بالإضافة إلى طرق مسفلتة وجامعة وتأهيل المستشفى والمشروع الزراعى. وكذلك قال لهم السيد الصادق فى خطابه - وهو يأخذ على مايو - أن (مايو) اعتمدت فى التنمية التى أحدثتها على المعونات الأجنبية، وقد فات على السيد الصادق أن كل المشروعات التى (كانت) حكومته تنتوى إنفاذها لولا الانقلاب، أنها كانت بمعونة إيطالية ويابانية ويوغسلافية، كما جاء فى ذات الخطاب. ومن جانبنا نضيف على ما قاله السيد الصادق أن حكومته فتحت الأبواب للمعونات الأجنبية فى إغاثة الشعب، ناهيك عن التنمية فى ظل حكومته التى كل ما أنجزته فيها هو (أنها كانت). فى حكاية التخطيط لاغتيال جون قرنق التى أماط اللثام عنها العميد عبدالرحمن فرح؛ رئيس جهاز أمن حكومة السيد الصادق، نجد الإمام سلك طريقين، أحدهما؛ مضمونه العبارة (فما الغرابة) ثم ينفض السيد الصادق لسانه منها ليقول إنه رفض هذه الخطة، ويدعم الطريق الأول بأن جون قرنق كان معادياً وعمد على إسقاط طائرة الخطوط الجوية السودانية فوق ملكال، ويدعم الطريق الثانى بأنه ضد الاغتيالات الفردية. وعن الحوار والمشاركة فى السلطة أفرغ عدداً من النقاط هنا يشتم النظام ويكشف عن وسائل أخرى للتغيير ويطرح كذلك نقاطاً مثلها هناك يعدد عبرها فرص إمكانية ترميم النظام ومن ثم المشاركة فيه. فطرة السيد الصادق التى فطر عليها هى هذا التردد وطرح أكثر من نقيض فى المسألة الواحدة، فتجده يسلك طريقاً وما أن يقترب من نقطة حاسمة حتى ينفض يده مثلما ينفض لسانه فيعود أدراجه، ولك أن تلاحظ ذلك من لدن مصالحته لنميرى وإحجامه عن المشاركة من بعد ذلك وهكذا هو، يخرج مهاجراً ويعود دون أن تتبدل الظروف التى دفعته للخروج، وتجده مرات عدة يحاور بكل صدق وصولاً إلى تسوية، وما أن يقطع مفاوضوه مشواراً حتى تنتابه فطرته فترمي به إلى المربع الأول، تساعده على كل ذلك قدراته الهائلة فى التبرير وإنتاج الأفكار والأعذار وطلاوة أحاديثه عند قومه وهم ربما يذهبون أبعد من ذلك ويعتقدون الخير كل الخير في ما (اختار الإمام). لذلك لا أرى نهاية قريبة لحواره مع المؤتمر الوطنى ولن يجدد فى وسائل التغيير، كما قال فى خطابه، إذا فشل الحوار الجارى، بالرغم من أنه ضرب لذلك موعدا يمتد لأسبوع (من الجمعة إلى الجمعة)، وسنرى إما تواصل الحوار أو دخوله فترة بيات شتوى ثم يعاود الحبيب عادته القديمة ليبدأ جولة جديدة تحمل ذات الأطوار مع اختلاف الشعارات. أو أن تحمله الحكومة حملاً على المشاركة مثلما فعل النميرى وأرغمه على التوقيع وأعجزته مشاركته. هذا التردد ربما عززته حالة الانقسام داخل حزب الأمة حول الحوار نفسه وحول المشاركة، فهناك من يقف خلفها، وهناك من يقف أمامها حتى داخل بيت المهدى نفسه.