(حقيبة) سوداء صغيرة ظل يتأبطها رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل السيد محمد عثمان الميرغني كلما غادر البلاد، وباعتقاد الكثيرين اليوم أن تلك (الحقيبة) موجود بداخلها الحزب كله..!! لا أحد بالطبع يمكنه أن يجزم متى يحط رئيس الحزب رحاله نهائياً في السودان؟! ولكن حتماً يعلم الكثيرون دوافع عودته المفاجئة ظهر اليوم الإثنين، وهي العودة التي أثير حولها جدل متصل لامس عصبه التوقيت ودلالاته، (مولانا) المبحر دوماً في اتجاه جغرافيات سياسية متعددة ابتداء بأسمرا ومروراً بالمملكة العربية السعودية وليس انتهاءً بالقاهرة سيشهد عقد قران ابنه الأصغر «عبد الله المحجوب» يوم الجمعة القادم، وهي واحدة من الملمات الكبيرة التي ستخرج بالاتحاديين من خصوصية المناسبة إلى فضاء الهم العام،كما يتوقع المراقبون. ولكن المفارقة تكمن بصورة قاطعة في مغادرة هيئة القيادة قبل أيام قلائل إلى القاهرة للاجتماع بمولانا، وعودة مولانا نفسه من القاهرة للخرطوم في مهمة مزدوجة يدور الهمس حولها: الحزب أم البيت؟! أيهما يقف وراء عودة السيد الميرغني؟! وهل ستفتح هذه العودة قضايا ظلت مؤجلة ومرحلة منذ شهور دون القطع فيها؟! هل ستكتمل أفراح الاتحاديين بزواج ابن الزعيم دون أن تكتمل شروط الزواج السياسي المنتظر بين الاتحادي (الأصل) والمؤتمر الوطني، والتي ربما تتمخض عنها مشاركة يرغب فيها البعض بينما قطع رئيس الحزب باستحالتها تماماً بالقول: «نحن نتحدث عن قضايا وطن لا عن مصالح شخصية وليس مصالح أفراد». للميرغني (6) أبناء أصغرهم عبد الله المحجوب الذي يتحفز هذه الأيام لبلوغ بوابة القفص الذهبي بعيد أن رسي الاختيار على ابنة عمه الراحل السيد أحمد الميرغني رئيس مجلس رأس الدولة السابق مما يجعل الوصل ممتداً وعميقاً. عضو المكتب السياسي ميرغني مساعد وصف عودة الميرغني بأنها تأتي بعد زيارة زعيم الحزب إلى مصر والسعودية وإنجاز العديد من القضايا الوطنية والحزبية، مبيناً أن عودته تعني دفع النشاط السياسي والتنظيمي بجانب مواصلة ما انقطع من حديث حول الراهن السياسي بالبلاد. «مساعد» أكد على أن الميرغني سيجتمع بهيئة القيادة والمكتب السياسي وبقية أجهزة الحزب لمعرفة ما تم إنجازه في الفترة الماضية، بينما يشير آخرون إلى أن الدافع الأكبر وراء هذه العودة هو حضور عقد قران ابنه سيما وأن الدعوة - بحسب مدير مكتب الميرغني العميد (م) أمين عثمان - قد وجهت لرئيس الجمهورية ونائبه وكافة الدستوريين وقادة الأحزاب السياسية والإعلاميين، وقد حرص الميرغني على متابعة الإجراءات من مقر إقامته بالقاهرة. في السياق أشارت مصادر من داخل الحزب إلى أن العودة قد تتأجل من عصر اليوم «الإثنين» إلى يوم غدٍ «الثلاثاء» ولكنها لن تتجاوز الجمعة في كل حال، وهي ليست العودة الأولى ولا الأخيرة، فقد جاءت عودة الميرغني الأولى إلى الخرطوم بعد انقطاع دام (19) عاماً لتشييع جثمان شقيقه الراحل أحمد الميرغني في العام (2008)، واليوم تراوح رحلات العودة ال(11) منذ ذلك التاريخ. عودة الميرغني، بحسب المسؤول الإعلامي بالحزب صلاح الباشا تعتبر عودة طبيعية بعد إنجاز العديد من المهام في الخارج، وليس ثمة طاريء استدعى عودته التي تزامنت مع زواج ابنه. «الباشا» أشار في إفادته ل(الأهرام اليوم) إلى أن الحزب له قطاعات تنتظم في مهام متعددة: قطاع تنظيمي أوكلت له مسألة المؤتمرات ويرأسه محمد الحسن، وقطاع الموارد والاشتراكات، واللجنة المشتركة التي سترفع تقريرها إلى رؤساء الحزبين الوطني والاتحادي للقطع بشأن الحوار هل انتهى إلى اتفاق أم اختلاف؟ ونبّه إلى أن الحوار لم يتطرق إطلاقاً لمسألة المشاركة وإنما يدور فقط حول الدستور الانتقالي، وأضاف أنه ليس هنالك تفويض للجنة بخصوص المشاركة، ومضى إلى أن الإصلاحات في الدول المجاورة جاءت بشكل ضخم عن طريق الثورات بينما هم يريدونها بشكل انسيابي. وتوقع الباشا أن يدور حوار على هامش المناسبة وربما يشمل بعض الأجنحة الأخرى والمؤتمر الوطني خصوصاً وأن المشاركة الاجتماعية هي فرصة للنقاش والتفاكر. في السياق قطع القيادي بالحزب المحامي علي السيد بأن لجنة الحوار حول الدستور مع المؤتمر الوطني لم تنجز أي شئ، وقال (للأهرام اليوم) إن اللجنة المشتركة ناقشت قضية الدستور وشكل الدولة ولكنها لم تنجز مهمتها بعد، وأضاف أن عودة الميرغني عادية بالرغم من أنه لا أحد يعلم ما سوف ستتخمض عنه، وزاد بأن الحزب مواجه بحزمة من القضايا أهمها الحوار الجاري اليوم بين الحزب والمؤتمر الوطني والموقف من قوى الإجماع الوطني والحراك السياسي وتفعيل أجهزة الحزب وهي قضايا حاضرة ومهمة. وفي ذات الوقت الذي يترقب فيه جميع الاتحاديين عودة زعيم الحزب فقد أقام الجناح الراديكالي بالحزب مؤتمراً صحفياً ظهر أمس «الأحد» ناقش فيه قضية الدستور وخلص إلى ضرورة تغييره بالكامل مشمولاً بتغيير شكل الدولة في المرحلة القادمة بما فيها صلاحيات رئيس الجمهورية. وخلص المؤتمر إلى رؤية سوف تطرح على هيئة القيادة بالحزب والتي تتكون من (8) أشخاص، ولكن بالطبع قرار الميرغني هو المرجح، بينما هنالك جناح آخر يتمتع بالمرونة وهو جناح (الخلفاء) لا يرفض التعديل الجزئي للدستور وربما تتصادم رؤيته مع هذا الجناح، وكلهم في انتظار وترقب ربما يبلج بعده فجر الاتحاديين.