الأخ العزيز الأستاذ/ الهندي عز الدين رئيس تحرير صحيفة (الأهرام اليوم) - المحترم السلام عليكم ورحمة الله { اطلعت كغيري من المهتمين بقضايا التعليم، على مقالاتك السابقة بخصوص التعليم الخاص.. كما اطلعت على تعليق أستاذة الأجيال المربية الفاضلة نفيسة المليك، ويوم الثلاثاء الماضي اطلعت على مقالة أخي وصديقي وتلميذي النجيب حسن أحمد علي طه، وأفخر بأنه كان أحد تلاميذي النجباء المخلصين بمدارس المستقبل الأهلية المتوسطة بودنوباوي في بدايات الثمانينات، عندما كان التعليم الأهلي رائداً ومزدهراً وسيد الساحة آنذاك، قبل أن تتآمر عليه بعض الجهات الرسمية التي حطمته تماماً كما حطم القذافي ليبيا!! { أخي الهندي عز الدين: اسمح لي أن أتحدث معقباً وموضحاً ومعلقاً ومقترحاً في النقاط التالية وللمصلحة العامة: { أولاً: هناك فرق كبير جداً بين التعليم الأهلي والتعليم الخاص، وحتى يتعرف شباب اليوم على الحقيقة فالتعليم الأهلي هو التعليم الذي أنشأ مدارسه بعض الأفراد أو الجماعات من حر مالهم خلال فترة الاستعمار، والهدف منه توفير الفرص لأبناء الشعب السوداني بأقل التكاليف المالية الممكنة للذين حرمهم الاستعمار من التعليم، وبالتالي فإن التعليم الأهلي هو تعليم خدمي ولا يسعى للربح، وهذا النوع من التعليم كان يهدف أيضاً لمناهضة الاستعمار من خلال نشر الوعي وتبصير المواطنين بقضاياهم الوطنية وضرورة التخلص من الاستعمار، وقد استمر هذا النوع من التعليم يؤدي رسالته التربوية على الوجه الأكمل، وقد قامت كل الحكومات الوطنية بدعمه والوقوف معه.. وذلك حتى نهاية السبعينيات، حيث بدأت مرحلة الاضمحلال، وسأشير إليها في نقاط موجزة. { ثانياً: في نهاية السبعينيات أو بداية الثمانينيات أصدرت وزارة التربية والتعليم الاتحادية ما يسمى بالقرار الوزاري رقم (50)، الذي بموجبه تم سحب الإعانات الحكومية من المدارس الأهلية الُمعانة، وسحبت الوزارة معلميها وطلابها ومنعت المدارس الأهية من قبول (فصول الإعادة)، وقالت إنّ هذا من اختصاص اتحاد المعلمين، كما منعت المدارس من قبول الفاقد التربوي، وحولت مدارسها لتعمل دورتين في اليوم، صباحية ومسائية، على أن يتم استيعاب الطلاب الأقل نجاحاً في المدارس الحكومية المسائية. { ثالثاً: هذه القرارات أصابت المدارس الأهلية بالضمور، وبعضها أغلقت أبوابها، وبعضها تم استئجارها لجهات تعليمية أخرى، والأغرب من ذلك أن كل الحكومات المتعاقبة بدءاً بحكومات ما بعد (مايو) ثم (الإنقاذ) سارت في نفس طريق تصفية المدارس الأهلية.. وهذا موضوع طويل سنتعرض له لاحقاً وبالتفصيل. { رابعاً: كانت المدارس الأهلية مزدهرة لأنها كانت تستوعب الطلاب الذين لا يجدون فرصاً في المدارس الحكومية، وكانت تجد دعماً من الدولة. { خامساً: المدارس الخاصة هي التي تقوم فلسفتها على الجانب التجاري الاستثماري وتحقيق الربح، وربما نستثني بعض المدارس وهي على أصابع اليد الواحدة، خاصة التي يديرها معلمون أصيلون أو معلمات أصيلات، والشواهد على ذلك نجاح تلك المدارس واستمراريتها وازدهارها. { سادساً: ازدهر التعليم الخاص في منتصف التسعينيات كبديل لمعاهد التقوية وانتشر بصورة مذهلة وأصبحنا في كل شارع نجد مدرسة، وبين كل مدرسة ومدرسة نجد مدرسة!! لذلك جاء التعليم الخاص خصماً على التعليم الحكومي الذي أصبح طارداً، كما جاءت المدارس الحكومية (النموذجية) خصماً على التعليم الخاص والتعليم الحكومي القديم معاً. { سابعاً: بالتعليم الحكومي (النموذجي) دمرت الحكومة التعليم الحكومي القديم، وبالتعليم الخاص دمرت التعليم الحكومي والأهلي. ثامناً: حتى نتمكن من معالجة سلبيات التعليم بكل أشكاله وألوانه من أجل المصلحة العامة، وحتى يكون التعليم في متناول اليد للقادرين ولغيرهم أقترح الآتي: 1. قيام مؤتمر عاجل يضم أهل التعليم الحكومي والأهلي والخاص واتحاد المعلمين للاتفاق على رؤى جديدة تضمن ازدهار التعليم بألوانه كافة من أجل مصلحة الطلاب، على أن يسعى المؤتمر لتقديم دراسات متأنية تؤكد على أهمية عدم المتاجرة بالتعليم ووقف الأساليب غير التربوية، وأن يكون مقياس نجاح المدرسة الحقيقي هو طلابها الأصليون الذين درسوا بها أولى وثانية وثالثة، وليس المستجلبين من مدارس أخرى للجلوس للامتحان باسمها كما يحدث الآن في الغالبية العظمى من المدارس الخاصة وغيرها. 2. لابد أن يُشارك أهل الشأن في صياغة لائحة التعليم غير الحكومي الجديدة. { ختاماً.. الكلام كثير والمقترحات كثيرة.. وربما أعود في مقالة أخرى أو مجموعة مقالات إن تيسر ذلك.. وبالله التوفيق أخوكم عيسى السراج عميد مدارس المستقبل الأهلية بودنوباوي