تنتظم ولاية جنوب كردفان حالياً حركة سياسية نشطة ومحمومة وسط خلافات حادة بين أبناء الولاية قبل انطلاقة الحملة الانتخابية لللمرشحين لخوض الانتخابات الولائية التي تم تأجيلها عن التاريخ المحدد لها نتيجة للخلافات حول نتيجة الإحصاء السكاني بالولاية وحول تقسيم الدوائر الانتخابية. هذه الانتخابات تجري لانتخاب والي الولاية ومجلسها التشريعي، ولقد تم تحديد عدد الدوائر الانتخابية ب «54». تكتسب هذه الانتخابات أهمية كبرى لما لها من علاقة مباشرة بالمشورة الشعبية التي سيقوم بها المجلس التشريعي للولاية، ولهذا نجد أنها تحظى باهتمام دولي كبير، خاصة من قبل الولاياتالمتحدةالأمريكية والدول الغربية وبقية الدول الأخرى الراعية لاتفاق السلام الشامل. الجو المشحون حالياً بالتوتر نتيجة للصراعات الحادة بين المجموعات المتنافسة ينذر بإمكانية حدوث عنف سياسي مسلح يهدد نجاح هذه الانتخابات. تصريحات قادة الحركة الشعبية الخاصة بأهمية اكتساحهم لهذه الانتخابات، تشير إلى عدم قبولهم بالنتائج إذا لم يتحقق لهم فيها الفوز، وسيقود ذلك إلى اتباعهم لأسلوب «الهجمة»، وربما يتكرر هنا سيناريو الفصائل الجنوبية المنشقة فتعم الفوضى الأمنية الولاية بأكملها إذا لم يتم التحسب لذلك. أبرز المرشحين لمنصب الوالي هم مولانا أحمد هارون الوالي الحالي، ونائبه عبدالعزيز الحلو مرشح الحركة الشعبية؛ «آسف» مرشح دولة السودان الجنوبي وهو مرشح مدعوم من الولاياتالمتحدةالأمريكية والدول الغربية، مرشح آخر هو تلفون كوكو أبو جلحة الذي تقدم بترشيحه من خلف القضبان في سجون الحركة الشعبية. الانتخابات شأن داخلي. وولاية جنوب كردفان ولاية شمالية لا علاقة لها بدولة السودان الجنوبي، كما أن الدعم الخارجي لأي مرشح يعتبر من الأساليب الفاسدة التي تفقده حق الترشيح، هذا بالإضافة إلى أن قانون الانتخابات وقانون الأحزاب ودستور البلاد، كل ذلك لا يسمح للعملاء والخونة بترشيح أنفسهم في أي انتخابات!! السؤال هنا كيف تم السكوت عن ترشيح عبدالعزيز الحلو المدعوم خارجياً؟!! لا أجد مبرراً منطقياً لسماح المؤتمر الوطني لدولة السودان الجنوبي بالتدخل في المشورة الشعبية بجنوب النيل الأزرق وفي انتخابات ولاية جنوب كردفان!! تعتبر ولايتا جنوب كردفان والنيل الأزرق ومنطقة أبيي، تعتبر هذه المناطق الثلاث مسمار جحا وحصان طروادة لدولة السودان الجنوبي في شمال السودان، حيث إن هذه المناطق تمثل قاعدة الانطلاق للحرب الجديدة بين شمال السودان وجنوبه. المؤتمر الوطني ليس في حالة ضعف. فهو الذي صنع دولة السودان الجنوبي عن طريق تحويله للحركة الشعبية من حركة تمرد عادية، كان ينبغي حسمها عسكرياً، إلى دولة مستقلة ذات سيادة، قلبت له ظهر المجن وستصبح هذه الدولة الوليدة «خميرة عكننة» للقارة الأفريقية وللدول العربية!! هذه الدولة المصنوعة بواسطة الدول العظمى ستصبح مطية لها لإحداث نوع من الفوضى الخلاقة بالمنطقة تسمح لها بتوسيع دائرة التدخل الخارجي تحت ستار حماية المدنيين وحفظ الأمن والسلم الدوليين. انتخابات ولاية جنوب كردفان مسؤولية حكومة الشمال ولا علاقة لحكومة دولة السودان الجنوبي بها، ولهذا ينبغي على الحكومة القيام بمسؤوليتها التاريخية بالإشراف الكامل على هذه الانتخابات في كل مراحلها، وعدم السماح لدولة السودان الجنوبي بالتدخل فيها. أولى الخطوات التي ينبغي اتباعها في هذا الإطار هي عدم قبول مرشحي الحركة الشعبية لخوض هذه الانتخابات، وذلك لأنهم عملاء لدولة أجنبية تعتبر عدواً للسودان، كذلك يجب حرمان كل قادة الحركة الشعبية من الدخول إلى ولاية جنوب كردفان، مع سحب قوات الحركة الشعبية من ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق ومنطقة أبيي وإلقاء القبض على ياسر عرمان وتقديمه إلى المحاكمة تحت تهمة «التخابر والعمالة» لدولة السودان الجنوبي المعادية، كذلك تبرز أهمية محاصرة نشاط المنظمات الأجنبية المشبوهة بالولاية وحظر دخول الأجانب إلى المنطقة قبل وأثناء فترة الانتخابات. هذه الانتخابات تُعد مصيرية وهي تمثل تحدياً كبيراً لنا لأنها مدعومة خارجياً وتلعب فيها عناصر الاستخبارات الأجنبية دوراً كبيراً، لهذا ينبغي التركيز على الرقابة المحلية بشدة، وأن تتولى قوات الشرطة الاتحادية مهمة حراسة وتأمين صناديق الانتخابات ومناطق الاقتراع. تصريحات قادة دولة السودان الجنوبي الخاصة بأهمية وضرورة فوز عبدالعزيز الحلو تعتبر تدخلاً سافراً في شؤون حكومة شمال السودان، لذا ينبغي التعامل معها بحسم، بعد أن أثبتت سياسة التعاون مع هذه الدولة المعادية فشلها الذريع. المرحلة الآن تعتبر مرحلة المواجهة الصلبة والمواقف القوية. الحكم الفيدرالي يعني أن يتولى أبناء الولاية حكم أنفسهم بأنفسهم، والمرشح أبو جلحة من أبناء الولاية وترشيحه قد تم من خلف القضبان بواسطة أبناء النوبة، وفي ذلك رسالة قوية لحكومة السودان الجنوبي ولعميلها عبدالعزيز الحلو، ويمثل هذا الترشيح التفافاً كبيراً من أبناء النوبة حول أبوجلحة الذي أصبح زعيماً لهم وسيقفون خلفه بصلابة نكاية في حكومة السودان الجنوبي التي تنكرت لهم وباعتهم بأبخس الأثمان. المخطط الدولي يسعى حالياً إلى تحويل المشورة الشعبية إلى حكم ذاتي كخطوة على طريق تقرير المصير ولإفشال هذا المخطط الشيطاني ينبغي التركيز على دعم أبو جلحة في الانتخابات لأن فرص فوزه أكبر من مناسبة. إذا تكرر سيناريو انتخابات أبريل الماضي وقامت دولة السودان الجنوبي بسحب مرشحها، في إطار التنازلات أو في إطار أي مساومة مع أبناء النوبة للاحتفاظ بولائهم لها نسبة لتنفيذ الدور المرسوم للمرحلة القادمة، فإنه يمكن هنا للمؤتمر الوطني أن يلعب «بولتيكا»، كما فعل من قبل فيليب عباس غبوش، بأن يقوم بسحب مرشحه ليفوز أبو جلحة بالتزكية، وهنا يكون المؤتمر الوطني قد اصطاد بحجر واحد عصفورين؛ أولاً: كسبه لثقة ودعم أبناء جبال النوبة وتحريرهم من استغلال دولة السودان الجنوبي لهم، ثانياً: إفشال المخطط الصهيوني الذي يسعى لتمزيق وحدة البلاد. أما الأخ المجاهد أحمد هارون، كما أعرفه، فهو رجل للمهام الصعبة وهو وطني «قح»، يضع مصلحة البلاد العليا فوق مصلحته الشخصية، ومستعد لأن يضحي من أجل تحقيق هذه الغاية بروحه ودمه. أحمد هارون حمامة سلام، حيث إنه كلما أشعلت الحركة الشعبية فتيل الحرب هرع لإطفائها، وسيسجل له التاريخ ذلك هذا، بالإضافة لما بذله من جهود مقدرة لتنمية ولاية جنوب كردفان وإشاعة الأمن والاستقرار في ربوعها. أحمد هارون من شباب الثورة ومكانه محفوظ. كفانا هواناً و«انبطاحاً»، وعلى الدولة أن تكون خلال هذه المرحلة الاستراتيجية الحرجة التي تمر بها بلا دنا أكثر حسماً وحزماً في القضايا المصيرية، وأن لا تترك لدولة السودان الجنوبي الوليدة الحبل على الغارب لتتلاعب بمقدرات ومصير ومستقبل بلادنا. ختاماً أسأل الله أن يوفق أولي الأمر منا لاتخاذ القرارات الشجاعة والقوية والحازمة التي تحفظ لشعبنا عزته وكرامته ووحدته، وبالله التوفيق.