«مافيش فايدة.. غطيني يا صفية».. العبارة أعلاه قالها الزعيم المصري والوفدي الكبير سعد زغلول لزوجته صفية «أم المصريين» عندما كان في حالة يأس من مرض ألمّ به، فعرضت عليه صفيه استدعاء طبيب غير الذي كان يشرف على علاجه.. وفي رواية أخرى إنه قالها وهو في حالة يأس من تطور سياسي.. المهم في الأمر أنها أصبحت مثلاً سار به الركبان وأصبح خالداً خلود قائله. زعيم المؤتمر الشعبي «الرجل الثمانيني» سرعان ما يجد نفسه وراء القضبان الحديدية بوساطة تلاميذه في الحركة الإسلامية، إن تحدث عن ضرورة التغيير عبر الانتفاضات الشعبية، أو لوّح بفضح العملية الانتخابية الماضية التي جرت في أبريل 2010م، أو نادى بضرورة بسط الشورى، أو دعا إلى التحول الديموقراطي، أو غيرها من القضايا الشائكة التي تعترض مسيرة العمل السياسي في البلاد، ولسان حاله يقول «ما فيش فايدة.. غطيني يا وصال». ويقول مساعد الأمين العام للمؤتمر الشعبي إبراهيم السنوسي ل«الأهرام اليوم» أمس (الثلاثاء) إن «قيادات من الحزب تحدثت إلى مسؤولين كبار في الحكومة ووعدوا بإفادتنا برأيهم»، وأشار إلى عدم توقعاتهم بإطلاق سراحه –الترابي – وأضاف: «ما نريده الآن هو حسن المعاملة والسماح له بالعلاج». سيناريو الاعتقال في حق زعيم “الشعبي” تكرر ست مرات منذ مفاصلة الإسلاميين في خواتيم العام 1999م، وإن اختلفت مسببات الاعتقال. يقول قيادي رفيع من قيادات المؤتمر الشعبي ل “الأهرام اليوم” إن قدر الشيخ الترابي أن يكون موزعاً بين السجون والمعتقلات.. يهزأ بها دائماً ويسميها “معاهد يوسف” ويرجع الفضل إليها في كثير مما اكتسب من العلم والمعرفة والتدبر، ويقدم القدوة الحسنة لأنصاره وتلامذته في الصبر والمصابرة على البلاء والشدة، مبيناً أن الشيخ ياسين عمر الإمام استلهم منها مقولته التي فاجأ بها الرئيس البشير في أعقاب المفاصلة: “إنّ المعتقلات يا سيادة الرئيس لا تخيفنا”. من جهته أكد القيادي بالمؤتمر الشعبي أبو بكر عبد الرازق ل “الأهرام اليوم” استقرار حالة الترابي الصحية، وقال إنه لا جديد في ما يتعلق بعلاجه بالخارج أو عرضه على اختصاصيين، موضحاً أن الحكومة لا تأبه لما وصلت إليه الحالة الصحية للترابي إلا من باب الخوف على نفسها من ردود الأفعال الحادة إذا أصابه مكروه. وفور تعرض الترابي لوعكة صحية طارئة في معتقله، طالبت أسرته بنقله إلى خارج السجن لتلقي العلاج، أو السماح بمقابلة طبيبه الخاص. وقال نجله الصديق إن والده بخير، لكن العائلة تطالب بعلاجه خارج المعتقل، مبيناً أن والده تعرض لحادث داخل السجن، ما يتطلب إجراء فحوصات خارج المعتقل بوساطة أجهزة وتجهيزات طبية غير موجودة داخل المعتقل، لافتاً إلى أن والده تعرض لانزلاق عندما كان يتوضأ، وسقط على ظهره لأن محل الوضوء ضيق ومحصور في المعتقل. لكن مسؤول المنظمات بالمؤتمر الوطني قطبي المهدي قلل من مزاعم أسرة الأمين العام للمؤتمر الشعبي حسن عبد الله الترابي بتدهور صحته، وقال: “لا أعتقد أن حالته الصحية تدهورت ونعلم أنه متقدم في السن ويحتاج إلى الرعاية والعناية”، لافتاً إلى أن طلب أسرة الترابي - الذي اعتقلته السلطات الأمنية منذ منتصف يناير الماضي - بنقله للعلاج خارجاً أمر تقدره الجهات الطبية. وأكثر ما يقلق منسوبي المؤتمر الشعبي مرض زعيمهم داخل المعتقلات والسجون، وحملت قيادات رفيعة المؤتمر الوطني المسؤولية حيال تدهور الوضع الصحي للترابي، الذي نُقل إلى المستشفى السبت الماضي، واستهجنت رفض السلطات معاينة الأطباء الذين أشرفوا عليه سابقاً بمقر استشفائه الحالي “مستشفى ساهرون”. في يناير 2011م كشف مساعد رئيس الجمهورية نائب رئيس المؤتمر الوطني لشؤون الحزب نافع علي نافع عن ملامح مخطط تخريبي اعتقلت بموجبه الأجهزة الأمنية زعيم المؤتمر الشعبي حسن الترابي، ونوّه إلى أن المُخطط يحوي اغتيالات وإخلالاً بالأمن لإحداث فتنة وإطلاق “شرارة” لتنفيذ خطة المعارضة المُعلنة لإسقاط الحكومة بأية وسيلة. وحمّل الأمين السياسي للمؤتمر الشعبي كمال عمر عبد السلام المؤتمر الوطني أي مآل سينتج عنه ضعف الإشراف الطبي، وقال في مؤتمر صحافي الاثنين الماضي: “لو حدثت تداعيات لحالة الترابي الصحية فإن الشارع لن يكفينا وسيعلم المؤتمر الوطني شرّ ما جنى على نفسه”. من جهته طالب أمين حقوق الإنسان بالحزب حسن عبد الله الحسين بالإفراج الفوري عن المُعتقلين، لافتاً إلى أهمية تجنب التحايل على القانون بفتح بلاغات غير قابلة للضمان عقب مشارفة المُدة المقررة بقانون الأمن للاعتقال وتجديده لعدد كبير من مُعتقلي “الشعبي”، واستجهن الحسين إدخال مُعدات الكشف بالأشعة إلى الترابي بمحبسه عقب سقوطه مغشياً عليه بالمُعتقل قبيل نقله إلى مستشفى “ساهرون”. وراجت أنباء قوية في مارس الماضي تؤكد وجود صفقة بين المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي تقضي بإخراج حسن عبد الله الترابي من السجن ووضعه قيد الإقامة الجبرية بمنزله. لكن نائب الأمين العام للحزب نفى تلك المعلومات وأكد أن حزبه لن يقبل بحبس الترابي في منزله، وإن مات داخل السجن. داعياً إلى محاكمته وفقاً للقانون أو إطلاق سراحه فوراً. وانتقد الحزب أيضاً استمرار اعتقال عناصره لأكثر من (64) يوماً وعدّه خرقاً لقانون الأمن، لا سيما أن القانون نص على التحري مع المعتقلين في غضون أسبوع يجدد إلى شهر ثم (15) يوماً أخرى. توقيت اعتقال الترابي الأخير اعتبرته قيادات حزب المؤتمر الشعبي “فزّاعة” يستخدمها النظام تجاه معارضيه الذين طالبوا بالتغيير، واعتبرت حديثه وتوقعاته التي أعلنها في مقابلة صحفية مع “فرانس برس” قبل يوم من اعتقاله ورجّح فيها احتمال قيام انتفاضة شعبية في السودان على غرار ما حدث في تونس، هي سبب اعتقاله، بيد أن المركز السوداني للخدمات الصحفية قال إن الأجهزة الأمنية المُختصة حصلت على وثائق ومعلومات تؤكد علاقة حزب المؤتمر الشعبي بحركة العدل والمساواة في دارفور، بعد الإفادات التي أدلى بها قادة الحركة الذين تم أسرهم بغرب دارفور مؤخراً، ونوّه إلى أن الإفادات والوثائق أكدت دور المؤتمر الشعبي في توجيه وتمويل أنشطة حركة العدل والمساواة، بالإشراف المباشر على عملياتها العسكرية بدارفور، لإثارة التوتر دون أدنى مراعاة لمعاناة أهل دارفور. قيادات الحركات الإسلامية في العالم العربي كانت غير سعيدة باعتقال زعيم “الشعبي” حسن عبد الله الترابي، فزعيم حزب النهضة التونسي راشد الغنوشي، طالب أيام مشاركته في مؤتمر حول القدس نظمته الحكومة بالخرطوم، الرئيس البشير بإطلاق سراح الترابي، وقاطع المؤتمر الزعيم الإسلامي المعروف يوسف القرضاوي الذي كان مُقرراً قدومه إلى السودان للمشاركة فيه، وكان القرضاوي اشترط إطلاق سراح الترابي قبل وصوله إلى السودان للمشاركة في المؤتمر. اللافت للأنظار أيضاً قيام الغنوشي بزيارة منزل الترابي ومقابلة أسرته وبعض مساعديه، وقال الغنوشي والدموع الغزيرة تطفر من عينيه إن الترابي يمثل معلماً بارزاً من معالم الفكر السياسي الحديث، داعياً الحكومة إلى إطلاق سراحه “اليوم قبل الغد”، وأضاف: “لكم عزيز على نفسي أن لا يكون الترابي حاضراً بيننا هذا اللقاء، فرج الله كربته وجمعنا معه في لقاء قريب”. والآن بعد الأنباء التي راجت عن مرض الترابي وتفاقم سوء حالته الصحية، هل تستجيب الحكومة لنداءات منسوبي المؤتمر الشعبي بإطلاق سراحه؟ أو السماح له بالسفر للعلاج بالخارج؟ أم ستظل الأزمة مستمرة بين الحكومة وحزب المؤتمر الشعبي؟