ما ان تشهد أزمة دارفور تطورا عسكريا علي الارض ، او تغلي ساحة البلاد السياسية بامور خلافية بين الماسكين علي السلطة والمعارضين الا و يجد زعيم حزب المؤتمر الشعبي حسن الترابي ، نفسه في ضيافة الاجهزة الامنية ، سيناريو تكرر ست مرات ، منذ مفاصلة الاسلاميين اواخر العام 1999م ، وان اختلفت مسببات الاحتجاز في كل مرة ، فالثابت هو خروج الرجل الثمانيني من باب الدخول . غير ان توقيت اعتقال الزعيم الاسلامي الاخير ، اعتبره المراقبون فزاعة يستخدمها النظام تجاه معارضيه الذين علت اصواتهم مطالبة بالتغيير ، بعد ان الهمتهم الثورات التي انتظمت شوارع العواصم العربية مؤخرا ونجحت في تونس ومصر ، ولازالت ليبيا واليمن في الانتظار ، واعتبر حزب المؤتمر الشعبي حديث زعيمه وتوقعاته التي أعلنها في مقابلة صحفية مع فرانس برس قبل يوم من اعتقاله ورجح فيها احتمال قيام انتفاضة شعبية في السودان على غرار ما حصل في تونس الاسبوع الماضي هي ما حملت له الاعتقال ، لكن المركز السوداني للخدمات الصحفية قال ان «الأجهزة الأمنية المختصة حصلت على وثائق ومعلومات تؤكد علاقة حزب المؤتمر الشعبي بحركة العدل والمساواة «في دارفور » بعد الافادات التي أدلى بها قادة الحركة الذين تم أسرهم غرب دارفور مؤخرا» ، وأضاف «ان الافادات والوثائق اكدت دور المؤتمر الشعبي في توجيه وتمويل أنشطة حركة العدل والمساواة بالاشراف المباشر على عملياتها العسكرية بدارفور لاثارة التوتر دون أدنى مراعاة لمعاناة أهل دارفور» ذات المبررات ساقها الحزب الحاكم فأمين المنظمات بالحزب قطبي المهدى قال في تصريحات للصحفيين حسب الجزيرة نت « في العهد الديمقراطي لا يوجد مبرر سياسي لاعتقال الترابي لانه كرئيس حزب من حقه ان يتحدث ويعبر عن آرائه» ، وتابع المهدي انه «ربما هناك بعض القضايا تتعلق وتتطلب التحقيق معه حول التطورات الأمنية والأحداث الجارية خاصة فيما يتعلق بقضية دارفور» قبل ان يقلل من خطورته علي السلطة ، دفوعات اعتبرها المسؤولون بحزب المؤتمر الشعبي بالمكيدة غير جيدة الطبخ ، وقال عبد الله حسن أحمد نائب الأمين العام للحزب في مؤتمر صحفي بعد يوم من الاعتقال إن الترابي ليس «بالسذاجة التي تعتقدها السلطات حتى يخطط مع حركة العدل والمساواة ويترك وثائقه بيدها تتجول بها في الغابة»، وربط أحمد بين الاعتقال والموقف المعلن للشعبي تجاه النظام القائم حاليا، ومناداته مع قوى الإجماع الوطني بضرورة تكوين حكومة انتقالية لتعديل الدستور، وتهيئة المناخ لانتخابات حرة ونزيهة في البلاد. لكن مسارعة قيادات الشعبي أمس برفض ما اسموه تسريبات تشير الي اطلاق سراح زعيمهم مشروطة بوضعه قيد الاقامة الجبرية بمنزله تفتح جملة من الاستفهامات ، فالامر الذي اعتبره نائب الامين العام بالحزب عبدالله حسن أحمد بالمرفوض وفضل عليه استشهاد الرجل في محبسه بدلا من ان ينتقل الى منزله للبقاء قيد الاقامة الجبرية تاركا سجله الحافل بالنضال منذ بواكيره من اجل قضايا الشعب السوداني ، يضعنا للتساؤل اولا عن صحة تلك التسريبات ، ومدي صدقيتها قبل ان نأتي لرفض الشعبي ، فما الذي يدفع الحكومة لاطلاق سراح الرجل في مثل هذا التوقيت هل بات امر العدل والمساواة غير ذي خطر الان ؟ ام توقعات الرجل التي زعم حزبه بانها وراء الاعتقال استطاعت الحكومة علي تحصين نفسها ؟ بالطبع الاجابة لكل ما سبق لا ، فدارفور لازال ما يفصلها من محطة السلام الكثير ، ودعاوي اسقاط النظام والتعبئة للجماهير للخروج للشوارع لازال هو خيار المعارضة المطروح فما الذي جد ، يشير عدد من المراقبين الي ان مطالب القيادات الاسلامية التي زارت الخرطوم مطلع الشهر الجاري قد تكون خلف تلك الخطوة التي تسربت مؤخرا ، فزعيم حزب النهضة التونسي، طالب صراحة السلطات السودانية بإطلاق سراح الترابي وسط جموع من الموالين للرجل ، ايام مشاركته في مؤتمر حول القدس نظمته الحكومة الإسلامية وقاطعه الزعيم الإسلامي يوسف القرضاوي الذي كان مقررا قدومه، لكن في تلك الفترة ايضا تحدثت الصحف عن اشتراط الرجل مقابلة الترابي، وزاد مصدر ان علمه بوجود الترابي بالمعتقل كان وراء تخلفه عن المشاركة ، واللافت قيام الغنوشي بزيارة منزل الترابي ومقابلته لأسرته وبعض مساعديه ، وقال الغنوشي ان الترابي أستاذي ويمثل معلما من معالم الفكر السياسي الحديث، ودعا الحكومة لإطلاق سراحه «اليوم قبل الغد»، وأضاف «لكم عزيز على نفسي أن يكون الترابي حاضرا بيننا هذا اللقاء، فرج الله كربته وجمعنا معه في لقاء قريب» ، وذكرت مصادر بالمؤتمر الشعبي ل»الشرق الأوسط اللندنية» ان الغنوشي طلب من المسؤولين السودانيين إطلاق الترابي، باعتبار أن مكانه الطبيعي هو خارج السجون ليقوم بدوره المعروف، وأشار المصدر إلى أن الزعيم التونسي لم يطلب زيارة الترابي في سجنه بكوبر. لكن الناظر الي التحولات التي طرأت مؤخرا بعد الثورات التي اطاحت بحسني مبارك وابن علي ، واشار عدد من المتابعين الي ان الاسلاميين هم من يقفون خلفها يمكن ان تدعم ان تسريبات اطلاق الترابي المرفوضة من حزبه موضع التأكيد ، فمستشار الرئيس صلاح قوش وفي لقاء بتلفزيون السودان ، تحدث عن ان ما يجعل الثورات الاخيرة بالشوارع العربية ذات فعل هو دعم الاسلاميين لها ، فمن هنا يمكننا ان نأخذ مطلب الغنوشي الذي عاد الي بلاده بعد فترة طويلة بالمنفي في الحسبان ، وايضا نجد اسباب ذلك الرفض المشدد الذي اطلقه المؤتمر الشعبي وفضل موت زعيمه بين جدران السجون علي الاقامة الجبرية التي كانت قد طالته من قبل .