تسلل الإحباط رويداً.. رويداً إلى نفوس قيادات وجماهير بالحركة الشعبية بعد إعلان سحب الحركة لمرشحها لرئاسة الجمهورية ياسر سعيد عرمان، وقبل أن تهدأ الأنفاس صوّت أبناء الجنوب لصالح خيار الانفصال مما “زاد الطين بلة” بالنسبة إلى منسوبي الحركة الشعبية في شمال السودان.. بيد أن القيادي بالحركة الشعبية وليد حامد قال إن انفصال الجنوب لم يؤثر على جماهيرية الحركة الشعبية في شمال السودان، وكشف في حواره مع (الأهرام اليوم) عن استعدادات كبيرة لبذل مزيد من التضحية، والذهاب بمشروع السودان الجديد إلى نهاياته الطبيعية، موضحاً أن مشروع السودان الجديد طُبق في حده الأدنى على مستوى اتفاقية السلام الشامل التي استطاعت استعادة الأمل في نفوس السودانيين بعد عقود من الديكتاتورية والإرهاب، وفتحت كُوة أمل للشعب السوداني. { ما رؤيتك للحركة الشعبية بالشمال بعد انفصال الجنوب؟ - للإجابة على هذا السؤال هناك جُزءان، الأول يتعلق بالرؤية الفكرية للحركة الشعبية، نحن في الحركة نؤمن بأن مشروع السودان الجديد هو المشروع الذي يمكن أن يُعالج ويجيب على الأسئلة الملحة التي أدّت إلى انفصال الجنوب ودرء المزيد من الانقسامات والانفصالات في السودان الشمالي، ونعتقد أن رؤية السودان الجديد هي الرؤية الوحيدة التي يمكن تضع حداً لمثل هذه المخاوف، هذا على المستوى الفكري، نحن نؤمن بأهمية وإمكانية تطبيق هذه الرؤية، وهي في تقديري المخرج الوحيد لأزمات السودان المُتعاقبة. { ماذا عن المستوى التنظيمي؟ - على المستوى التنظيمي الحركة الشعبية في شمال السودان لديها امتدادات واسعة في كل مدن وقرى السودان الشمالي، ولدينا عضوية هائلة من الجماهير التي تؤمن بمشروع السودان الجديد، وأيضاً استكملنا قبل أقل من عام عملاً تنظيمياً كبيراً واسعاً في كل شمال السودان، من الناحية التنظيمية هناك استقرار تنظيمي جيّد، انفصال الجنوب لم يؤثر على جماهيرية الحركة الشعبية في شمال السودان، بل هناك استعدادات لبذل مزيد من التضحية، وهناك استعدادات للذهاب بهذا المشروع إلى نهاياته الطبيعية. { لكن رؤية السودان الجديد يبدو أنها غير واضحة ولم تتنزل إلى أرض الواقع؟ - نعم قد أتفق معك، يجب بذل مزيد من العمل التنظيمي والفكري لتنزيل هذه الرؤية إلى جماهيرنا وشرحها لتسهيل فهمها على كثير من الجماهير، لكن المسألة الأكبر في تقديري أن هناك حرباً منظمة يقودها عدد من الناس الذين اتفقوا على مُحاربة مشروع السودان الجديد، هناك المؤتمر الوطني الذي يقود حرباً غير أخلاقية، ولا تمت للفكر بصلة لمحاربة مشروع السودان الجديد، ويسخر لذلك كل عناصره وأفرعه المُختلفة من هيئة علماء المسلمين إلى صحيفة “الانتباهة” إلى كل هذه الأفرع التي تنتمي إلى المؤتمر الوطني، يسخرها في تشويه صورة الحركة الشعبية، ومشروع السودان الجديد، لكن الشيء الذي يفهمونه أن السودانيين أصبحوا لا يثقون كثيراً في ما يقولون، لذلك أنا أعتقد التشويه هذا لن يؤثر كثيراً على شعبية الحركة الشعبية في شمال السودان. { كثر يقولون إن مشروع السودان الجديد لم يأت أكله في أوج عظمة الحركة الشعبية، فكيف تعولون عليه من جديد؟ - مشروع السودان الجديد استطعنا تطبيقه في حده الأدنى، وهو اتفاقية السلام الشامل، الاتفاقية تُعتبر هي الحد الأدنى للسودان الجديد، القاصي والداني يعلم أهمية هذه الاتفاقية، التي استطاعت أن تستعيد أملاً في نفوس السودانيين بعد عقود من الديكتاتورية والإرهاب، لكن الاتفاقية فتحت كُوة أمل للشعب السوداني، واستطاع الشعب السوداني خلال الست سنوات السابقة أن يستعيد جزءاً من حرياته التي سلبها المؤتمر الوطني لعقدين من الزمان، وفتحت العمل السياسي للقوى السياسية المختلفة، وخلقت حالة من الحياة الجديدة للشعب السوداني بعد عقود من الكبت، كما ذكرت، هذا هو مشروع السودان الجديد في حده الأدنى، لا يستطيع أحد أن ينكر ذلك، لكنها لا تعتبر الأهداف النهائية لمشروع السودان الجديد، الأهداف النهائية للمشروع هي خلق سودان ديموقراطي متعدد يقوم على حقائق التعدد الثقافي والديني ولا يفرق بينهما، هذا هو الهدف النهائي، نحن لم نصل إلى هذا الهدف النهائي، لم نقيم سوداناً جديداً في السودان، لكننا بدأنا بحده الأدنى، أعتقد أن هذا الحد الأدنى كل الشعب السوداني يتفق معنا على أنه كان مساهمة، ومحاولة جيدة في تطوير هذه المكتسبات إلى نهاياتها الطبيعية. { لكنك سبق وأن قلت إن مشروع السودان الجديد ذُبح من الوريد إلى الوريد؟ - هناك أطراف كثيرة تكالبت على ذبح مشروع السودان الجديد، من داخل الحركة الشعبية، ومن خارجها، مشروع السودان الجديد اصطدم أيضاً بأحلامهم وطموحاتهم الوطنية التي لا تتفق مع مشروع السودان الجديد، لذلك هم بوعي أو بدون وعي، ساهموا في محاولة وأد هذا المشروع الكبير، ساعدتهم في ذلك عناصر أخرى من خارج الحركة الشعبية وخارج القوى السياسية الأخرى، اتفقوا على ضرورة وأد هذا المشروع الذي يمثل خطراً عليهم الاثنين. { لماذا أصرت العناصر الداخلية في صفوف الحركة على إفشال المشروع؟ - هي أصلاً لا تؤمن بمشروع السودان الجديد، وتؤمن بمشروع آخر، هذا من حقهم، نحن لا نستطيع أن نجبرهم على الإيمان بشيء لا يعقتقدون فيه. { ما المشروع الآخر الذي يعتقدون فيه؟ - مشروع دولة الجنوب وضرورة انفصاله، هؤلاء هم القوميون الجنوبيون الذين لا يؤمنون أصلاً بمشروع السودان الجديد، أكرر هذا من حقهم أن يعتقدوا في ما يعتقدون، لكن هذا يمثل بالنسبة إلىّ على المستوى الشخصي حزناً كبيراً. { ألم يكن بالإمكان الاتفاق مع هؤلاء القوميين الجنوبيين على صيغة تحقق الحد الأدنى من الأهداف؟ - في تقديري أنه كان بالإمكان بناء سودان جديد يعالج كل الإشكاليات التي دفعت الآخرين إلى تبني مشروع آخر، مشروع حلمه ونهاياته خارج الحدود المعروفة، لكن هذا ما حدث، أعتقد أن هذا المشروع جاء في غير وقته وكان يمكن أن يسهم مساهمة كبيرة في مُعالجة كثير من القضايا، ليس في السودان وحده، لكن في القارة الإفريقية التي تتشابه قضاياها معنا، صاحب هذا المشروع هو عقل كبير يتقدم عقوداً على رصفائه وهو يجلس في مكان قصي لم نستطع اللحاق به، لذلك أعتقد أن هذا المشروع جاء في غير وقته في تقديري، ولم نستطع أن نقفز بأحلامنا وأفكارنا وطموحاتنا لهذا المستوى من التفكير. { هل أنت حزين على انفصال الجنوب، أم على ضعضة مشروع السودان الجديد؟ - مشروع السودان الجديد في تقديري استطاع أن يتخلص من عملية الشد والجذب، مشروع السودان الجديد هو كطفل، السودانيون الجدد الذي يؤمنون بمشروع السودان الجديد يجذبونه من أرجله، والذين يؤمنون به يجذبونه في الطرف الآخر من رأسه، لذلك هذا المشروع كان في حالة من الشد والجذب، استمرت من عام 1983م حتى عام 2011م، الآن بانفصال الجنوب استطاع هذا الجسم أن يتحرر من هذه الاشتدادات التي كانت تحدث فيه. { كيف؟ - الآن هناك جنوب وهناك شمال، قضية الوحدة أو الانفصال لم تعد قضية بالنسبة إلى الشمال أو الجنوب لأنها حُسمت، الطرفان في الشمال والجنوب مدعوان إلى إقامة سودان جديد في الحيز الجغرافي الذي يحتلونه الآن، الجنوب إذا لم يتخذ هذا المشروع كنموذج وهادٍ له سوف يتمزق، لأن الجنوب يحتاج إلى هذا المشروع أكثر من غيره، فهناك عوامل عدة وكثيرة يمكن أن تحول الجنوب إلى مجموعات متناحرة وإلى دول كثيرة ومتعددة، لذلك الجنوب يحتاج إلى هذا المشروع لبقائه موحداً، ولإمكانية إقامة دولة قابلة للحياة، خلاف هذا المشروع سوف يفشل الجنوب فشلاً ذريعاً. { هل فعلاً أن الحركة الشعبية في الشمال أصبحت جسداً بلا رأس؟ - طبعاً هؤلاء يفكرون بأن الرأس هو الجنوب، وذهب الجنوب لذلك ذهب الرأس، هذه ليست الحقيقة كلها، الجنوب ذهب، لكن الحركة الشعبية باقية في شمال السودان، الحركة الشعبية لديها رأس، حتى الرأس الذي حاولوا أن “يجزوه” نبت رأساً آخر لدهشتهم الكبيرة، هذا الرأس الآخر لديه القدرة في الاستمرار بهذا المشروع، نحن في الشمال أيضاً محتاجون إلى مشروع السودان الجديد، الذين يأملون في أن انفصال الجنوب سينهي وجود الحركة الشعبية العضوي والفكري في الشمال تفاجأوا بقدرة الحركة الشعبية في فك الارتباط بين الشمال والجنوب وترتيب نفسها من الداخل “ترتيب بيتها الداخلي”، والرأس الآخر الذي تحدثوا بذهابه إلى الجنوب، برز رأس آخر، شعره أكثر كثافة من الرأس السابق، نحن مصرون على التوعية بهذا المشروع إلى الأمام حتى لو بقينا (7) أشخاص. { ما مخاوفكم والمعوقات التي تعترض مشروع السودان الجديد في الشمال؟ - تخوفاتنا هي التي تنتاب كل القوى السياسية الأخرى، منها ارتداد المؤتمر الوطني إلى المربع الأول، نتيجة للظروف الاقتصادية، وعدم قدرته على حل الإشكالات السياسية، وعدم قدرته على جمع الصف الوطني، لكن هذه مخاوف مشتركة تجمعنا جميعنا، نحن نحذر إذا كان التسلط والإرهاب والقتل يمكن له أن يقود إلى المحافظة على السلطة، لحافظ على سلطة حسني مبارك وزين العابدين بن علي، والقذافي، الإرهاب والقتل لا يولد إلا مزيداً من الإصرار، لذلك نحن نعتقد أن المؤتمر الوطني عليه واجب قيادة التحولات السياسية في السودان، إذا فشل في قيادة هذا التحول السياسي في السودان فسوف تقوده هذه التحولات السياسية إلى مزبلة التاريخ، لديه خياران، الأول هو قيادة التحولات السياسية وكل القوى السياسية لديها الرغبة، والاستعداد للدخول مع المؤتمر الوطني في حوارات لإنقاذ السودان، وإلى تحولات ديموقراطية، وإذا رفض ذلك فسوف تتخطاه القوى السياسية ويكون هدفها النهائي هو إزاحة المؤتمر الوطني من السُلطة. { في المرحلة المقبلة هل ستكون لديكم أساليب و”تكتيكات” جديدة لإنفاذ مشروع السودان الجديد؟ - نحن الآن نمد يدنا بيضاء للمؤتمر الوطني ولكل القوى السياسية، ونعتقد جازمين بوجود أزمة سياسية في السودان، الأزمة يجب أن تتكاتف كل الجهود الوطنية لوضع حل لها، ولن نعزل أحداً، نحن نريد العمل مع كل القوى السياسية، لكن إذا كان هناك حزب سياسي أراد أن يعزل نفسه عن بقية القوى السياسية فهذا شأنه، “تكتيكاتنا” المستقبيلة هي ضرورة إنفاذ عملية التحول الديموقراطي، لأننا نعتبرها الضمانة الوحيدة لاستقرار السودان، نحن نتفاوض ونتحاور مع المؤتمر الوطني ومع جميع القوى السياسية الأخرى من غير عزل لأحد، وليس لدينا إشكاليات شخصية مع المؤتمر الوطني أو مع أي قوى سياسية أخرى، هناك قضايا سياسية نحن مستعدون للجلوس مع كل القوى السياسية، بما فيها المؤتمر الوطني، لوضع حل لها، لكن في تقديري أن الحل هو أن يفتح المؤتمر الوطني قلبه وعقله لكل القوى السياسية للوصول إلى اتفاق وطني يجنب البلاد كثيراً من الإشكاليات التي يمكن أن تخوض فيها. { هل نتوقع شراكة مع المؤتمر الوطني بعد التاسع من يوليو المُقبل؟ - في الحركة الشعبية الجديدة بشمال السودان لم نحسم هذه القضية بشكل نهائي، لكن هناك إشارات يجب أن تكون واضحة، أنه من الخطأ أن تدخل الحركة الشعبية في شراكة مع المؤتمر الوطني من أجل السلطة، إذا كانت الشراكة هي بغرض خلق إجماع وطني ودفع الأمور إلى هذا الجانب فهذه شراكة محببة وأعتقد بأنها ستكون شراكة جيدة، ويجب أن لا تنتهي الأمور في السودان بشراكة بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، إذا كانت هناك شراكة ينبغي أن تقود إلى فتح مزيد من الحوارات وأن تقود إلى إجماع وطني وحكومة وطنية قومية يشارك فيها الجميع، وأن تقود أيضاً إلى الاتفاق على وضع دستور جديد، وإلى عدد من القضايا التي يجب أن يشترك فيها الجميع، لكن ما المساهمة التي يمكن أن تقوم بها الحركة الشعبية بشراكتها مع المؤتمر الوطني وإقصائها للقوى السياسية الأخرى؟ { هل لديكم برامج جديدة لتثبيت قواعدكم التي أصبحت في حالة شكوك وململة من الطرح القديم، مما حدا بالكثيرين لدمغ الحركة الشعبية بخداع منسوبيها؟ - الحركة الشعبية لم تخدع أحداً، الحركة الشعبية فشلت في تحقيق مشروع السودان الجديد، والإبقاء على وحدة السودان، نحن فشلنا في الإبقاء على مشروع السودان الجديد، وهذا الحديث قلته كثيراً في المنابر الداخلية والخارجية، نحن يجب أن نتحمل جزءاً من هذا الفشل في الحركة الشعبية، لكنها لا تعتبر خيانة بأي حال من الأحوال على الإطلاق، هذا الفشل يجب أن يكون دافعاً بالنسبة إلينا في إعادة ترتيب أوراقنا، والجلوس والتفكير النقدي في تجربتنا منذ العام 1983م إلى 2011م، ماذا حدث؟ لماذا؟ وكيف الطريق إلى المستقبل؟ يجب أن يكون هذا الفشل الذي وقعنا فيه أن يكون دافعاً بالنسبة إلينا في تغيير كثير من الأشياء التي أدّت إلى هذا الفشل، وتجنبها في المستقبل حتى نقود الحركة الشعبية في المرحلة المقبلة إلى أهدافها المعلنة، المشروع لم يفشل، المشروع ما زال جاذباً، وما زال المشروع في استطاعته الإجابة على الأسئلة المُلحة للسودان، لكن نحن كتنظيم سياسي نحمل هذا المشروع كأجندة سياسية بالنسبة إلينا، فشلنا في تطبيقه على أرض الواقع. { المال في الفترة المقبلة هل سيكون عائقاً بعد انفصال الجنوب وذهاب عائدات النفط؟ - هذا سؤال تجريمي.. يضحك.. كأننا كنا نأخذ أموال البترول للعمل السياسي، هذا لم يحدث طبعاً، الحركة الشعبية لديها مصادرها الخاصة البعيدة عن البترول وخلافه في تمويل عملها السياسي، ويمكن أن نُعلن عن جزء من هذه المصادر، منذ العام 1983م وحتى العام 2005م عندما وقعنا الاتفاقية اتفقنا على أن كل الأشياء إذا كانت عينية أو غيرها بحوزة الجيش الشعبي في ذلك الوقت هي ملك للحركة الشعبية وليس لحكومة الجنوب، باعتبار أن هذه الأشياء تخص الحركة الشعبية، هذا كان جزءاً من مصادر تمويل الحركة الشعبية. { كيف تنظر لاتهام أمينكم العام ياسر عرمان بالخيانة العظمي؟ - هذه ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة، وهو لم يكن الشخص الأول ولن يكون الأخير، نحن لسنا قلقين لأنها مسألة يرددها البعض هنا وهناك ولن تؤثر علينا كثيراً، نحن نعرف أميننا العام، ونثق في وطنيته، فلا يستطيع أحد أن يتطاول على وطنيته، حتى الذين يتهمونه يعرفون من هو، هذا أمر يجب أن لا يشغل بالنا كثيراً، سينتهي كما بدأ، لأنه ليس صحيحاً، هو يدعو لإنقاذ السودان وجمع الأطراف وحل القضايا، فإذا كانت هذه خيانة، فنعلم ما هي عدم الخيانة.