{ مازالت حكومتنا الكريمة تتساهل مع ياسر عرمان وتدعه يمضي في مخططاته الشريرة حتى نهايتها، دون أن تكلف نفسها ولو بأضعف الإيمان وتردعه، لاسيما بعد مطالبته الحكومة الأمريكية بعدم رفع الحصار عن الشمال، وقد اكتفت الحكومة السودانية بوصف مطالبته هذه بأنها ترقى لمرتبة الخيانة العظمى، وكنا نظن أن الحكومة السودانية سوف توجه له الاتهام وتباشر إجراءات قانونية تجاهه، ولكن لم يحدث ذلك، وكنا نتوقع في حالة تقاعس الحكومة أن تنبري مجموعة قانونية، من باب حرصها على الوطن، لتباشر إجراءات قانونية في مواجهة عرمان، وقد شهدنا مثل هذه المبادرات في جمهورية مصر ودول أخرى. { ما يقوم به عرمان يستدعي كل شرائح المجتمع لتتحرك في مواجهته، لأنه ببساطة يصب في خانة الحصار للشمال دون الجنوب، كما طالب هو الإدارة الأمريكية في زيارته الأخيرة، وهذا ما نعلمه، أما لا نعلمه فإنه من المؤكد أخطر من ذلك بكثير، يتصل بمصالح دول أجنبية بما فيها دولة جنوب السودان، على حساب وطنه وأهله وعشيرته، ولكن يبدو أن عرمان استبدل كل ذلك بأهل هم ليسوا بأهله، وعشيرة هي ليست بعشيرته، وصار ثغرة كبيرة في جسد الشمال ومدخلاً لكل ما يضر بمصلحة البلاد ومستقبلها وقضاياها. { ما من قضية تطرح إلا وكان موقفه مناهضاً للشمال، وهاهو يناصر ويقود المجموعات المنفلتة في النيل الأزرق وجنوب كردفان في مواجهة الشمال في نسخته الجديدة، وقد قطع الرجل شوطاً بعيداً في ترتيب أزمات الشمال القادمة وربما حروبه وصراعاته، وقد صرّح بكل جرأة بذلك خلال لقائه بالمبعوث الأمريكي (لمس إسميث) ومبعوث جنوب أفريقيا (شالس بنيكولا)، وهو يطالب بعدم تقسيم دارفور إلى ولايات من خلال الترتيبات التي تقوم بها الحكومة وفقاً لاتفاقية أبوجا، معللاً بطرد المؤتمر الوطني لمناوي - هكذا قال - ودعا لوضع ترتيبات جديدة للوضع الأمني بولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، وقد كشف عن قيامهم بتحركات بجنوب كردفان بالترتيب مع بعض القوى المعارضة تتصل بانتخابات الولاية، دون أن يكشف عن فحوى هذه التحركات، ولكنها واضحة لكل مراقب في ظل تراجع مدّ الحركة الشعبية بجنوب كردفان وفي ظل خطط لها لنسف الاستقرار بالولاية وسط احتجاجات بتزوير الانتخابات. { مواقف عرمان وعلى الدوام هي ضد كل ما هو شمالي، ومساندة لكل ما هو ضد الشمال، فهو مع حركات دارفور عندما تكون في الميدان، وضدها عندما تركن الى السلام وتنادي به، وهو مع الحركة الشعبية حتى وإن أصبحت في وطن آخر، ومع عقار طالما سيواصل حربه للشمال، ومع الحلو طالما ينفذ أجندة الحركة الشعبية وحكومة الجنوب ويحارب حكومة الخرطوم، وهو ضد تلفون كوكو ما دام تلفون يعارض سياسة الحركة الشعبية تجاه أهله النوبة، وهو ضد الجنرال أطور واللواء قديت والسلطان عبد الباقي وغيرهم من جنرالات الحرب في الجنوب، ماداموا يحاربون الحركة الشعبية. { لم يسجل تاريخ عرمان - وهو أسوأ تاريخ لسياسي سوداني - موقفاً واحداً يعارض فيه الحركة الشعبية، والرجل (حمامة وديعة) أمام توجيهات الحركة الشعبية وما تفرضه عليه من مواقف، وقد شهدنا الحركة الشعبية تلزمه بخوض الانتخابات وهو يعلم أن ذلك ضد توجهاته السياسية التي حملته الى الحركة الشعبية، وفيه إشارة واضحة الى أن الحركة تزهد في الشمال وأن موقفها الإنفصالي بات أكثر وضوحاً، وبالرغم من ذلك خاض عرمان الانتخابات (كراعو فوق راسو). { لا شيء يمنع الحكومة من اعتقال عرمان والتحقيق معه في ما ينسب إليه من تصريحات ومواقف، ولو كان ذلك من باب المعاملة بالمثل، وقد اعتقلت الحركة الشعبية قيادات من المؤتمر والوطني، وهاهي تستمر في اعتقال المرشح لمنصب الوالي بجنوب كردفان تلفون كوكو، الذي هو مواطن سوداني ليس للحركة شأن به بعد الانفصال الذي صار واقعاً. { يجب ألا نتجاهل مستصغر الشرر، وأن نحزم ونحسم، وأن نتعامل بمسؤولية مع مثل هذه المخاطر، وقد شهدنا مثلها وتساهلنا معها حتى انتهت بنا لانفصال الجنوب ولم يعد وطننا يحتمل أكثر مما احتمل.