{ صاحب هذا القلم - وخلافاً لآخرين - ليست لديه أي مشكلة (شخصية)، أو (مرارات) مع الفريق «قوش»، فلم يصادر لي بيتاً ولا صحيفة، رغم أنه صادر لي الكثير من المقالات بأمر ضبّاطه (الصغار)، أيّام (الرقابة القبْلية)، ولم يعتقلني، رغم أنه هددني بالاعتقال ذات زيارة إلى العاصمة الإريترية «أسمرا» حيث تلاقينا ضمن وفد سوداني وأفريقي كبير على مأدبة غداء بدار سفيرنا الرائع شيخ العرب (الختمي) «صلاح محمد الحسن»، فاستأذنتُ (سيادتو قوش) في أن أنشر جانباً من (دردشتي) معه على المائدة، فقال لي بحدة: لا تنشر شيئاً و...!! { لم تعجبني لهجته، رغم أنه جنرال ومدير لجهاز الأمن فقلت له: (سأنشره)، فأقسم بالله أنه سيعتقلني إن نشرت منه حرفاً..!! { وبصراحة، لم أكن جاداً في النشر لأنني لو كنت أنشر كل (ونسة) بيني وأحد أصحاب (المقام الرفيع) من وزراء ومستشارين وولاة وضباط كبار، لتفجَّرت (براكين)، وطارت (رؤوس)، أولها (رأسي)..!! { كنت أود فقط أن أمتحن قدرات أكبر وأشهر رجل مخابرات في تاريخ (الإنقاذ).. خاصةً أنني كنت في صغري مدمناً على قراءة كتب المخابرات وقصص الجاسوسيَّة، وهذا ما دعاني - لاحقاً - إلى تبنِّي نشر (صفحة) يوميَّة عن دفاتر الجاسوسية بصحيفة (آخر لحظة) ثم (الأهرام اليوم) وانطلقت الصحف السودانية في التسابق على نشر صفحات عن ذات الملف دون ابتكار أو تجديد مفيد. { المهم أنه هالني مشهد (الثورة) التي رسمت ملامح (سيادتو قوش)، فانصرفت إلى حال زيارتي ل «أسمرا» الجميلة ضمن وفد اتحاد العمال الذي كان يرأسه البروفيسور «إبراهيم غندور» قبل نحو ثلاث سنوات. { يجب ألا (نتشفَّى) في السيد الفريق «صلاح قوش»، لأن وزراء ومستشارين كُثر ذهبوا إلى حال سبيلهم، وعاد بعضهم بعد سنوات إلى العمل في مكان آخر، ولم يهتم أحد بالأمر!! ذهب د.«نافع» نفسه من جهاز الأمن عام 1995 إلى بيته، وأمضى فترة بلا عمل، إلى أن تم تعيينه وزيراً للزراعة. وذهب «غازي صلاح الدين» إلى بيته و(اعتكف) في بدايات مفاوضات «نيفاشا»، وعاد بعد توقيع الاتفاقية إلى الجهاز التنفيذي، وانتقل «إبراهيم أحمد عمر» من مقعد الأمين العام للحزب، إلى داره حيناً من الدهر، ثم عاد وزيراً بوزارة العلوم والتكنولوجيا، وزارة يعتبرها الكثيرون (هامشية) رغم أن وزيرها من (الأقربين) إلى الرئيس!! وكذلك انتقل الفريق «طه عثمان» مدير مكتب رئيس الجمهورية (الحالي) من مكتب (البروف) «إبراهيم» إلى داره، إلى أن رشحه (البروف) إلى السيد الرئيس، فجاء به سكرتيراً، ثم مديراً لمكتبه في القصر الرئاسي. { كثيرون ذهبوا، وعادوا، وكثيرون ذهبوا ولم يعودوا...!! { ليس هذا مهماً، فكلنا ذاهبون إلى الدار الآخرة، مغادرين هذه (الفانية)، ولكن الأهم، أنه ليس هناك (صراع) كما تتوهَّم الصحف والصحفيون وعامة الناس، بين (تيارين) في المؤتمر الوطني، فالسيد (قوش) لم يكن قائداً ل(تيار) داخل الحزب الحاكم، كما أنه لم يكن يمثل تياراً يقوده نائب الرئيس الأستاذ «علي عثمان محمد طه»، لأن «قوش» - ببساطة - كان أقرب إلى الرئيس - نفسه - من نائبه «علي عثمان»!! والرئيس هو الذي أعفاه، بينما ظل نائب الرئيس بعيداً عن كل هذه (الجلبة)!! { لا يمكننا أن نقول إن هناك (صراعاً) بين «نافع» و«قوش»، أو «نافع» و«مندور المهدي»، لأن في هذه الحالة، يمكننا أن نقول بالمثل إن هناك (صراعاً) بيني - أنا رئيس تحرير الأهرام اليوم - والزميل «محمد الأسباط» الذي غادر إلى صحيفة أخرى مستقيلاً، أو أن هناك (صراعاً خفياً) بين الأستاذ «عادل الباز» ومدير تحرير (الأحداث) السابق «عثمان فضل الله» أدى إلى انتقاله إلى (السوداني)!! وبالمثل يمكننا أن نقول إن صراعاً نشب بين الزميل «ضياء الدين بلال» وقيادة «الرأي العام» قاده إلى رئاسة تحرير (السوداني)؟! { ولم أقرأ خبراً أو تقريراً عن (خلاف) الأستاذين «إدريس حسن» و«محمد لطيف»، فرغم أن «لطيف» ما زال يضع عبارة (يحتجب اليوم) على زاوية الأستاذ «إدريس» إلاّ أن الثابت أن الأخير غادر مستقيلاً من رئاسة تحرير (الأخبار)!! { حينما يغادر أو يستقيل أو يُقال المسؤول (الأدنى) في الهرم الإداري، فإنه لا يجوز أن نصف الحالة ب (الصراع)، ولذا فإن ما حدث بين (البشير - الترابي) كان صراعاً، لأن الدولة كانت محكومة ب (رأسين)، فهل كان الفريق «قوش» واحداً من رأسين يحكمان السودان قبل إقالته؟!! كلا. { إنها (خلافات) لا صراعات، وهناك آخرون ما زالوا يتعايشون داخل الحزب الحاكم، أو في الوزارات أو البرلمان، أو بحزب الأمة القومي، أو الاتحادي الديمقراطي، رغم أن الخلافات مشتعلة بينهم وآخرين بالمؤسسة السياسية (الواحدة). { أرجو للأخ الفريق أول «قوش» (استراحة محارب) هادئة.. وهانئة.. ومستقرة يتأمل فيها (عطاء) و(أداء) ما مضى من سنوات، ليعود في المرة القادمة أكثر هدوءاً، وأوفر صحة، وأعمق فكرة. مع تحياتي واحترامي.