ارتفعت درجات الحرارة في أحياء وشوارع العاصمة الخرطوم إلى ما فوق الخمس والأربعين درجة وقلت تحركات كبار السن إلاّ للأمور الضرورية فيما حمل الشباب من الجنسين نسخاً من الصحف السيارة أو حقائب اليد بالنسبة للفتيات لحجب أشعة الشمس اللاهبة عن الرؤوس والوجوه، وبدأت السيارات القديمة تتوقف فجأة في الطرقات من جراء الحرارة الزائدة وتخرج أبخرتها الشاكية، مضيفة المزيد من (التعكر) للأمزجة التي وصلت حد الاختناق.. ال(الأهرام اليوم) اكتوت بنهار الجمعة الحار جداً وتابعت احتياطات المواطنين في مواجهة (أبو فرار) أو السحائى وكل الأمراض التي تسببها حرارة الصيف (الصائف) فاشرب على الفور أيها القارئ لتراً من الماء وتابع معنا هذه الإفادات: الحاجة بتول تبيع الكسرة بسوق طرفي تجلس على (بنبرها) وأمامها (قفة) كبيرة في جوفها لفات الكسرة السودانية (الطاعمة) مع (درزينة) من أكياس البلاستيك تضع فيها الكسرة لزبائنها، بتول قالت ل(الأهرام اليوم) وهى تمسح وجهها بكيس مخدة، إنها لولا الظروف لما جلست تحت الشمس دون سقف ولكنها مجبرة لأن سبعة أفواه تنتظرها بالمنزل لكي تبيع كسرتها وتأتي لهم باللحم والحليب وحق الفطور وختمت بقولها: «الفقر أحر من عشرين شمس». أما الحداد سعيد فأبان أنه يعاني من مرض السكر الذي يتعارض تماماً مع مهنته وعندما يأتي الصيف فإنه لا يستطيع أن يعمل لثلاث ساعات متواصلة دون أن يذهب لينال (دشاً) بارداً بحمامات الجامع القريب من السوق ويعود ليواصل عمله، سعيد هاجم باعة الثلج وأبان أنهم يزيدون من عذابات المواطنين ويرفعون أسعار الثلج إلى أرقام فلكية تفوق درجة الحرارة نفسها، وأكد أن مهنة الحدادة تتناسب عكسياً مع الصيف وتمنى لو أنه أكمل تعليمه لكان اليوم محاضراً بالجامعة يحارب الشمس من داخل مدرج تزينه مكيفات الفريون والإسبلت الفاخرة، وغادرنا ودخل تحت حافلة روزا وهو ممسك ب(كاويته) وغاص في شرر الأوكسجين والدخان المحروق بالزيت وكانت عقارب الساعة تشير إلى الثالثة ظهراً. داخل عريشة من الحصير بسوق طرفي بمحلية كرري جلس عدد من سماسرة العقارات جميعهم تجاوزوا الخمسين بعد أن أشبعوا الرمل الذي يكسو أرضيتها ماءً جلبه بائع ماء بعربة كارو سعة برميلين، سكب لهم نصف برميل على الرمل وأودع الصفائح الست الباقية في جوف ثلاثة (أزيار) كبيرة تشارك الكراسي الستة المتهالكة مساحة العريشة. وأكد كبير السماسرة ل(الأهرام اليوم) أن الهيئة القومية للمياه تقطع إمدادها دون إعلان أو إنذار خاصة في فصل الصيف الذي يتوقف فيه كل شيء حتى أصحاب العقارات يحجمون عن بيعها أو تأجيرها فيه، إنهم الآن سبعة رجال ولا يوجد في جيب أحدهم خمسين جنيهاً كاملة، ورغم ذلك يتركون منازلهم التي هى أرحم بألف مرة من هذه العريشة ويأتون لمكان العمل طمعاً في (زبون طاير) ولكنه لا يأتي فيشربون الصفائح الست من (الزيرين) ويعودون قبيل المغيب بخفي حنين. أما الأريترية زهرة بائعة الشاي فقد رفضت الحديث ل(الأهرام اليوم) في بداية الأمر، وقالت: «سياسة ما نعرف»، وبعد أن عرفت أن الأمر مرتبط بحرارة الطقس قالت إن بلادها لا تعرف مثل هذه الحرارة أبداً ولكن بالمقابل لا يوجد فيها (شغل خالص) وضحكت جميلة اسمرا وأردفت: (الجاي من الله كلو كويس وناس قضارف بقولوا مافي حلاوة بدون نار). فيما حذرت الأستاذة وداد بشارة من ترك الأطفال يخرجون في النهار الصائف، وأبانت أن العديد من الأسر تترك الصغار يخرجون دون أحذية بل ويرسلونهم في منتصف النهار إلى الدكاكين، وطالبت الأمهات بالذهاب بحديثي الولادة ومن هم دون الخامسة إلى المراكز الصحية للتطعيم، وطالبت محليات الولاية بإسناد مهمة جديدة للشرطة تتمثل في منع المواطنين من الازدحام في رواكيب الشاي والقهوة ومواقف المواصلات والأسواق وإيجاد بدائل عاجلة للحبوبات اللائي يعملن في أسواق الأحياء تحت الشمس مباشرة وأن تمنع الشرطة بعض ضعاف النفوس الذين يقومون بتأجير (العجلات والمواتر والسيارات الميني) في الميادين العامة بجميع أحياء الولاية والولايات الأخرى. أما الداعية فتح العليم حسن فقد حذر من مآلات إطالة الخطبة يوم الجمعة طوال فترة الصيف خاصة بالمساجد التي تستوعب ربع المصلين ويكون الباقون خارجها تحت حر الصيف اللافح، وطالب المصلين بعدم الإصرار على الصلاة في مسجد بعينه وأن يذهبوا لبقية المساجد التي بها ظل وسعة، وختم بقوله إن المساجد جميعها لله عز وجل.