بتطلعي إنتي من غابات ومن وديان ومني أنا ومن صيحة جروف النيل مع الموجة الصباحية ومن شهقة زهور عطشانة فوق أحزانها متكية بتطلعي إنتي من صوت طفلة وسط اللمة منسية { الشاعر عمر الطيب الدوش ليس مجرد شاعر يُعبئ القصائد بعيون المعاني، وإنما هو حالة أشبه باختلاط الإحساس بالأنفاس وامتلاك الروح لجسد الفكرة التي تتضمنها القصيدة. الدوش يُغني للحلم، يفرد جناحاته لصباحات قادمة، يتكئ على بوح الأنغام في وسادة تمتلئ بالشوق والحنين. كتب «الحزن القديم» للفنان الموسيقار محمد وردي فصار للحزن ممشىً أكسب الألم نفحة من التاريخ وومضة تُنير دروب الحاضر مع المستقبل. الدوش كان رجلاً بسيطاً يبكي سراً حينما تحاصره الخواطر بالوجع اللذيذ، يكتب ليترك مساحة للدموع وحينما كانت السياسة تحترم الغموض وتُرسِّخ لمبدأ الرمز، كتب عن سعاد وكأنه زهير بن أبي سُلمى يبث وجده القديم. مع الإطلالة والإبحار تلك المدينة التي عاش فيها وكان وفياً ومخلصاً لأهلها.. وأحمد ورا التيران يخُب أسيان يفكِّر مُنغلب من بين بُكا الساقية الهناك ما بين طفولة بتنتحب في اللي ماشين المدارس في المصاريف الكُتب في اللي ضاق بيهو المكان وهسه سافر واغترب لمدن بعيدة تنوم وتصحى على مخدات الطرب والساقية طاحونة الأنين طول الليالي بتنتحب هكذا تغنى حمد الريح بألحان ناجي القدسي فهذه الأغنية لها دور كبير في تفجير ثورة أبريل واستيقظ الجميع معها على هتاف داخلي.. يحرضهم على الجسارة والكبرياء وبطبيعة ابن البلد الأصيل انحاز للغُبش والمساكين والتعابى و(الساقية لسه بطلع منها صوت المقاديف والمياه طلعت مشت متحدِّرة) أغنية حددت ملامح جيل يتحد مع الظروف جيل يعاني ليعيش.. جيل يرفض الهزيمة وهو مغطى بالانكسارات. وقصائد عمر الطيب الدوش كانت هي أصوات الرياح ولون العصافير وجلسة شاي (مغيربية بين الحواديت والضحك الطاعم).. الدوش رحل في مساءات المبدعين وترك الناي يغني «بناديها وبعزم كل زول يرتاح على ضحكة عيون فيها» هذا الإحساس لا يصنعه شاعر آخر فهو استثناء يكمن فقط عند الدوش الذي قال مودعاً: وتمشي معاي خطانا الألفة والوحشة.. وتمشي معاي وتروحي وتمشي معاي وسط روحي ولا البلقاهو بعرفني ولا يعرف معاك روحي؟!!