وحده الحديد يمكنه كتابة رواية محققة لكافة شروط الأدب القصصي المشوق، فما بالك بمقاعده وجدرانه وهوائه وشجيراته ووروده التي يمكن أن تكون زهوراً بلا روائح لكنها تحمل صفة الوردة! يقطعها الشاب الداخل إلى السينما هدية بسيطة لحبيبته قبل التمتع بفيلم هندي صاخب بالألوان والأشرار والجميلات والرقصات، ولا شك أمير خان! خيانة الذاكرة الجماعية لأهمية وجود مؤسسة تعليمية فنية وتقنية كبرى كما هو الحال مع (قصر الشباب والأطفال) تبدو واضحة المعالم، حينما يتكفل خريجوه بإقامة الذكرى الأربعين لتأسيسه كواحد من أهم روافد الإبداع التي قدمت لكافة المجالات العديد من الكوادر المؤهلة، بعد صقل موهبتها بالعلم والتقنية. فما يجول الآن في ساحاته ومراميه يؤسف له وعليه معاً، أذ أن أهمية القصر لم تعد كجهة تتبع إدارياً لوزارة الشباب والرياضة أو هيئة رعاية البراعم والناشئين، ولم يعد مجرد مكان لاحتواء النشاط الصيفي من (تايكوندو وكراتيه وموسيقى وتمثيل... إلخ) أو كمصدر ربح ودخل لخزانته باستمرار الرواتب ومال التسيير من فوضى السينما الهندية المستقرة بترتيب مستمر لا يتوقف - حتى حين حادثة القتل الشهيرة خلف كواليسها! - فهو صرح أثري بحسب قانون الآثار حيث أنه مستقر منذ أربعين عاماً يؤدي مهمته بتعاقب الناشطين فيه والمديرين والعمال بل وحتى الزوار. زيارة واحدة تكفي لأن ترى في القصر ما يجعلك حزيناً عليه فأول ذي بدء هو مظلم في كثير من جهاته وبواباته، يحتاج إلى إنارة كاملة وتامة تجعل من الصعب على أصحاب النفوس الصغيرة برغباتها أن تستخدمه وعاء لتفريغها! بجانب أزمة النظافة الكبيرة جداً وفوضى المكاتب غير المعرَّفة واللا استقبال الذي يجعلك تائهاً في قصر لا يملكه أحد! رغم تبعيته المباشرة لوزارة يهمها أن يكون شبابها وأطفالها في وضع معافى فكرياً وجسدياً، ورغم أن هذه من أساسيات الدخول إلى القصر. التقصير الذي ينقص من قدرة إدارة القصر - بحسب رأيي - يكون في تعليب السينما بما يوده الجمهور والاكتفاء بالأفلام الهندية المجانية، التي تحقق للجمهور الرغبة في مشاهدة الجمال والغناء والحب بطريقة بسيطة وغير معقدة، ولا تجعلهم سوى مستمتعين برفقة من معهم لساعتين من البهجة.. وهذه ليست واحدة من القواعد التي أُرسي عليها قصر الشباب والأطفال لكي يكون مكاناً يغير ويؤثر إيجابياً في تنمية فكر ومواهب الشباب، ليكونوا أسباب البناء في السودان. ولا أعتقد أن هناك من يحب أن نكرر أن ما يصنعه الأجنبي بسخاء وتقدم، نخربه نحن بلا مبالاة وتأخر وعدم تخطيط! إن الخطوات الواضحة التي خطاها قصر الشباب والأطفال وبعقول الإداريين الأوائل في تحقيق ولمس الموهبة الملحة في نفوس الشباب والأطفال المنتسبين إليه؛ جعلت معظم خريجيه من قسم الدراما بالذات يتخيرون لاحقاً أن يكونوا طلاباً منتسبين إلى كلية الموسيقى والدراما لاستكمال مشوارهم فيها. جعلت من لم يلتحق يشكل محوراً مختلفاً في صناعة الدراما في السودان، إن كانت إذاعية أو تلفزيونية أو المسرح سيد الفنون، بجانب الموسيقيين من ملحنين وعازفين، ناهيك عن الحرفيين. هذه الخطوات باتت تتراجع بفعل فاعل مرفوع لقوة المجهول والمسكوت عنه، وجعلت القصر مجرد محطة في طريق المواصلات اليومية وحائطاً تستند عليه أكشاك البيع السريع من الوجبات وحتى المزاج، ولا شك سينما مناظر لا تؤثر ولا تخلق الحراك الاجتماعي والثقافي المرجو منها. من المسؤول عن كل هذا؟ لن يقف أحد ليجيب أو يعترف، لكن الإجابات التي تحتوي في مضمونها أسئلة هي التي تربكنا لدرجة أن نطالب بأن تكون المسؤولية المشتركة بمراعاة المسؤولين للمصلحة العامة، وبتكاتف جهود وزارتي الشباب والرياضة ووزارة الثقافة ومعتمدية أم درمان - بدلاً عن الجري وراء الأغنيات ومؤديها - ومجلس الوزراء لإخراج ميزانية حقيقية لصيانة القصر بدلاً عن فتح نوافذ جديدة تحتاج إلى زمان كبير لتحقيق الثقة المتوفرة لدى الشباب، في القصر. كل عام والشباب بألف خير