في 5 يونيو 1967م الذي تمر بعد يومين ذكراه الرابعة والأربعون، كانت الحكومة السودانية مؤلفة من حزبي الأمة جناح الإمام الهادي والوطني الاتحادي الذي اندمج نهاية ذلك العام مع حزب الشعب الديمقراطي في حزب جديد حمل اسم الاتحادي الديمقراطي.. وهو نفس الحزب القديم الذي كان اسمه، قبل انقسامه في يوليو 56 إلى حزبين، يحمل اسم الحزب الوطني الاتحادي وهو الحزب الذي تزعم بكل الاقتدار عملية استقلال السودان منتصف خمسينات القرن الماضي. ورغم أن الحكومة السودانية في يونيو 1967م كانت حكومة منتخبة إلا أنها لأسباب كثيرة، منها عدم الاستقرار والانشقافات الحزبية والصراع مع القضاء والحرب في الجنوب وغياب الدستور الدائم، كانت أقرب إلى حكومة تصريف الأعمال منها إلى الحكومة المنتخبة القادرة على اتخاذ القرارات الكبيرة التي يسمح بها الارتكاز إلى الإرادة الشعبية المتمثلة في نتيجة الانتخابات التي أجريت في صيف 1965م وكانت حرة ونزيهة ومتسقة مع المعايير الدولية، رغم أن هذا التعبير الأخير لم يكن متداولاً ورغم أن تلك الانتخابات كانت جزئية، إذ تعذر إجراؤها في بعض أرجاء الوطن لظروف الحرب.. وقد قاطع تلك الانتخابات حزب شمالي مهم كان يرتكز على طائفة كبيرة عريقة هي الختمية وهو حزب الشعب الديمقراطي. وكان يرأس الحكومة السودانية في يونيو 67 قطب حزب الأمة الأستاذ محمد أحمد محجوب، وكان يرأس مجلس السيادة رئيس الحزب الوطني الاتحادي الزعيم إسماعيل الأزهري وكانت الحكومة تضم بعض آباء الاستقلال وبعض السياسيين الذين ارتفعت شعبيتهم ونجوميتهم في الديمقراطية الثانية في الستينات بعد ثورة أكتوبر 64 وكان أبرزهم وزير المالية الشريف حسين الهندي. وكما قلنا وللأسباب التي ذكرناها فإن هذه الحكومة كانت أقرب إلى حكومة تصريف الأعمال وكأن الجميع كانوا ينتظرون حدوث أمر أو أمور ما ليطالبوا بعدها بتنفيذ ما يطلب تنفيذه عادة من الحكومات الديمقراطية المنتخبة. ورب ضارة نافعة، فقد نشبت الحرب العربية الإسرائيلية صباح 5 يونيو 67 وفي ستة أيام خسرت مصر سيناء.. وفقدت سوريا الجولان وخضع قطاع غزة والقدس الشرقية والضفة الغربية للاحتلال الإسرائيلي.. وتحركت الحكومة السودانية لمعالجة آثار هذه الهزيمة التي اشتهرت باسم النكسة. فانعقدت بعد بضعة أسابيع من الحرب القمة العربية بالخرطوم وفيها عبر القادة العرب عن استعدادهم إلى الوقوف مع الدول التي هُزمت في الحرب، وعلى هامشها تمت المصالحة بين مصر والسعودية، مما مهد الطريق لحل مشكلة اليمن. ويرى البعض أن أهم ما قامت به تلك الحكومة السودانية عام 67 هو دورها في قمة الخرطوم العربية وفي تحقيق المصالحة بين السعودية ومصر، وفي رواية أنه كان إنجازها الوحيد.