لو أننا لم ندفنِ الوحدةَ في الترابْ لو لم نمزّقْ جسمَها الطريَّ بالحرابْ لو بقيَتْ في داخلِ العيونِ والأهدابْ لما استباحتْ لحمَنا الكلابْ مقطع من قصيدة شهيرة جداً اسمها «هوامش على دفتر النكسة» نظمها الشاعر السوري نزار قباني في أعقاب هزيمة يونيو 1967م التي ترتّب عليها احتلال إسرائيل للضفة الغربية والقدس الشرقية وشبه جزيرة سيناء وهضبة الجولان السورية. وفي المقطع السالف ذكره يعبّر الشاعر الكبير عن حسرته على ضياع الوحدة أو على فشل العرب في إقامتها أو على إخفاقهم في المحافظة عليها ومؤكد أنه كان في باله تلك الوحدة التي تحققت في فبراير 1958م بين بلده سوريا وبين مصر التي سُرعان ما أُجهضت في سبتمبر 1961م. وقد كان فعلاً من أسباب الهزيمة العربية التي حدثت في يونيو 1967م أن العرب لم يكونوا موحّدين ومُتحدين، ولقد كان النظام الحاكم في سوريا مثلاً في ذلك الوقت من عام 67 ورغم أن أبرز شعاراته هي الوحدة والحرية والاشتراكية، يرى أن توريط عبدالناصر في حرب خاسرة ضد إسرائيل مقدّم على كل ما عداه ليتسنى له قيادة العالم العربي. نعم لم يكن التقدميون العرب ومنهم النظام السوري والنظام العراقي والنظام المصري في ذلك الوقت من يونيو 67 على قلب رجل واحد، وفي نفس الوقت كان هناك استقطاب حاد بين هؤلاء التقدميين الذين لم يكونوا على قلب رجل واحد وبين معسكر آخر تقوده المملكة العربية السعودية. كيف كان للعرب أن ينتصروا في ظل تلك الظروف ثم ترجع للمقطع (النزاري) الذي تصدّر كتابتنا هذا اليوم، وللحالة السودانية. وواضح جداً أن تشرذُّمنا كان أحد أقوى الأسباب التي جعلت الآخرين داخل القارة يتآمرون في وضح النهار لتفكيك وحدتنا وتقسيمنا إلى دولتين أو أكثر. لقد تنازلنا للأسف ببساطة شديدة عن الوحدة، ولم تعد من ثوابتنا ولذلك استباحت «الكلاب» لحمنا على نحو ما جاء في المقطع الذي نظمه الشاعر العربي الكبير. إننا جميعاً مسؤولون عن التفريط في استمرار وحدة البلد ثابتاً لا يجوز التفاوض حوله، ورغم ذلك نحاول تصحيح الخطأ الذي لا يمكن أن تغفره الأجيال القادمة. وقال صاحبي إنه مثل العميد السفير ميرغني سليمان خليل يتمنى ألا يحضر ذلك اليوم، يوم انشطار السودان إلى دولتين وقلت: أُثنِّي.