نزح السوريون.. بعضهم طبعاً إلى تركيا هرباً من جحيم القتل الذي تمارسه الحكومة ضد المتظاهرين المطالبين بالحرية وتغيير النظام، وفي ليبيا وفي ظروف متشابهة للظروف السورية أو بينهما بعض أوجه الشبه نزح الليبيون إلى مصر وتونس وأوروبا. وفي الثورتين الشعبيتين اللتين نجحتا في إزالة نظامي الحكم في كل من تونس ومصر لم يكن هناك نزوح وكان هناك بعض العنف وكان هناك شهداء وجرحى لكن هاتين الثورتين كانتا توصفان بأنهما ثورتان سلميتان وهو وصف صحيح، فالجماهير الثائرة في البلدين.. وفي سوريا أيضاً لم تكن مسلحة. والعنف الذي مارسته الحكومة ضد الثوار في مصر وتونس كان جزئياً والجيش في كلا البلدين لم يطلق الرصاص ضد الشعب وحدث عكسه في ليبيا وسوريا، فالجيش هنا أطلق الرصاص على المواطنين مما أثار استهجان الناس جميعاً واستغرابهم فليس لمثل هذا أنشئت الجيوش وإنما أنشئت لحماية التراب الوطني. لقد نزح السوريون إلى تركيا.. جارتهم الشمالية التي كانت تستعمرهم في العهد العثماني ونزحوا أيضاً إلى لبنان وربما كان اختيارهم المفضل هو تركيا، فالدولة هنا أكثر استقراراً وما تستطيع أن توفره للنازحين يعجز عن توفيره لبنان بحكم الواقع الصعب الذي يعيشه. وبينما كانت تركيا في الماضي البعيد بالنسبة لسوريا والسوريين هي التي تنهى وتأمر.. فإن لبنان كان حتى وقت قريب دولة تفعل فيها سوريا ما تشاء وكان الجيش السوري في لبنان هو الآمر الناهي ثم أجبر منذ سنوات على الرحيل. وفي اليمن هناك في الركن الجنوبي الغربي من شبه الجزيرة العربية ورغم إصرار الثوار على سلمية ثورتهم إلا أن العنف هنا وصل إلى قمته بمحاولة اغتيال الرئيس علي عبدالله صالح. وقد طال عمر هذه الثورات الشعبية العربية فهي مندلعة في ليبيا منذ فبراير وفي سوريا منذ مارس وما زال العالم يتابع أخبارها وإن بحرص أو شغف أقل من ذلك الذي تابع به الثورتين التونسية والمصرية، وربما كان السبب أو الأسباب أن (الحكاية) طالت في الحالة الليبية اليمنية السورية.. وأنها كانت قصيرة خاطفة في الحالة التونسية المصرية. وبعد.. إلى أين؟ وما هو مستقبل ما يسمى بالربيع العربي؟ إن الديمقراطية هي أكثر النظم السياسية اقتراباً من الكمال البشري الذي هو نسبي ونرجو ألا ينظر إلينا كمتشائمين إذا ما قلنا إن البيئة الصالحة لنجاحها ليست متوافرة في كثير من الأقطار العربية وفي رواية في كل الدول العربية. ويعرف القراء تضاريس البيئة العربية ومتاهاتها إن صح أن يكون للبيئة متاهات.. والديمقراطية لا تقدم الأفضل.. ففي الديمقراطية الثالثة هنا في السودان سقط في الانتخابات البرلمانية (اسمان في حياتنا) هما الدكتور أحمد السيد حمد رحمه الله والبروفيسور محمد إبراهيم خليل أطال الله في عمره، في حين أنهما مؤهلان لأن يكونا نائبين في (أجعص) برلمان في العالم ومؤهلان أيضاً للتدريس في أفخر جامعات الدنيا ولأي منصب محلي أو إقليمي أو عالمي. ورغم ذلك فإنهما سقطا هنا في السودان في الانتخابات البرلمانية. وفي نفس الوقت فإن الأكثر قبولاً في الوقت الراهن بعد سقوط الفكرة الشمولية هو الديمقراطية.. هل نستطيع هنا في هذه المنطقة من العالم أن نقيم نظماً ديمقراطية فاعلة قادرة على الاستمرار؟ هذا ما نتمناه.