في لهجة مختلفة وحاسمة، هدد رئيس الجمهورية المشير عمر البشير بإغلاق الخط الناقل لبترول الجنوب حال رفض حكومة دولة جنوب السودان الوليدة استمرار قسمة النفط أو دفع رسوم وضرائب مقابل نقله عبر الأراضي الشمالية، وقال البشير في لقاء جماهيري بإستاد مدينة بورتسودان في ختام زيارته إلى ولاية البحر الأحمر أمس الأول (الثلاثاء) إن حكومته لن تستجدي حكومة الجنوب في ما يتصل بعائدات النفط، وإن أمامهم ثلاثة خيارات فقط، مجدداً حرصهم على استدامة العملية السلمية بين الشمال والجنوب، إلا أنه قال: «نحن ما ناس حرب إلا يكونوا عايزين اتلولوا». حكومة الجنوب من جانبها قالت على لسان برنابا بنجامين إنها قد تلجأ إلى وسائل أخرى لتصدير نفطها حال فشل طرفي الاتفاقية في الوصول إلى اتفاق، قبل أن يؤكد متحدثها الرسمي في حديثه لقناة (الجزيرة) أمس (الأربعاء) أن الحوار بين الشمال والجنوب بشأن النفط ما زال مستمراً بغرض الوصول إلى حلول توافقية بين الدولتين. من جهته كشف مصدر مسؤول بحزب المؤتمر الوطني ل(الأهرام اليوم) أمس (الأربعاء) عن نقاش مستفيض بين الشريكين قبل وقوع مشكلة أبيي الأخيرة حول النفط، وتوصلا إلى مقترحات حول تقسيم البترول بنسبة (50%) لكل منهما، لكن ثمة خلافات برزت إلى السطح عندما حددت الحركة الشعبية الفترة ب(3) سنوات، فيما تمسك المؤتمر الوطني بفترة (7) سنوات، وحاول المجتمع الدولي تقريب وجهات النظر واقترح فترة (5) سنوات. وبموجب اتفاق سلام 2005م الذي أنهى حربًا أهلية استمرت عدة عقود بين الجانبين، تحصل الخرطوم على (50%) من إيرادات النفط الذي يكتشف في الجنوب. وكانت حكومة الشمال أعلنت في الأيام الماضية أن ميزانيتها ستفقد (36,5%) من إيرادتها بعد انفصال جنوب السودان في التاسع من يوليو 2011م بسبب فقدانها لحصتها من عائدات النفط المنتج بالإقليم، وحثت جوبا على التوصل إلى اتفاق حول إيجار البنى التحتية للبترول بالشمال. وقال وزير المالية علي محمود محمد للصحافيين وقتها إن انفصال الجنوب «سيؤثر على الموازنة العامة وسنفقد (36,5%) من الإيرادات اعتباراً من التاسع من يوليو المُقبل، وخلال السنوات القادمة»، وكشف عن رسالة بعثت بها الحكومة إلى نظيرتها في الجنوب تبلغها فيها بعدم سماحها باستخدام خط أنابيب النفط والمصفاة وميناء التصدير بعد التاسع من يوليو، إلا بعد الاتفاق على قيمة إيجار هذه البنية التحتية. وينتج السودان حوالي (490) ألف برميل نفط في اليوم، (73%) تنتجها حقول في جنوب السودان بينما يوجد خط أنابيب النفط والمصفاة وميناء التصدير في أراضي شمال السودان. وحول مدى تأثير قرارات البشير على مصالح الجنوب، قال القيادي بالحركة الشعبية أتيم قرنق ل(الأهرام اليوم) أمس (الأربعاء) إن تهديدات البشير بشأن إغلاق خطوط النفط حال تنزيلها إلى أرض الواقع ستعجل برحيل ثورة الإنقاذ، باعتبار أن الشعب السوداني لن يصبر على حكومته، لافتاً إلى أن القرارات ستؤدي إلى مغادرة (10) آلاف موظف شمالي في قطاع البترول موجودين بالجنوب، ونوه إلى أن كل قرارات البشير التي أعلنها من مدينة بورتسودان تعتبر كروتاً (محروقة) بالنسبة إلى حكومة الجنوب، لعلمها ودرايتها التامة بالقوانين والمواثيق الدولية التي تحكم عمل البترول في ما يتعلق بالإنتاج والتصدير عبر أراضي الغير، استناداً على تجارب كثيرة في عدد من الدول، لكن وزير النفط لوال دينق كشف بالبرلمان أمس (الأربعاء) عن إنشاء وديعة استثمارية بمبلغ (72) مليون دولار في بنك قطر الوطني لتأمين فوائد ما بعد الخدمة للعاملين في مجال النفط، وأعلن عن حصوله على تعهد من رئيس حكومة الجنوب سلفاكير ميارديت ببقاء الموظفين الشماليين والبالغة نسبتهم (95,1%) مع شركاتهم بعد التاسع من يوليو المقبل، إضافة إلى وجود عقود مع الشركات تؤكد ذلك، وطالب لوال في الوقت نفسه بتمديد اتفاقية فلوج لحماية وتأمين المرافق النفطية. في السياق وفي ظل التطورات التي يشهدها ملف النفط بين الشمال والجنوب، نجد أن حكومة جوبا اتجهت نحو دول شرق أفريقيا، حيث اتفق رئيس حكومة الجنوب، سلفاكير ميارديت، والرئيس الكيني مواي كيباكي، على إنشاء ميناء (لامو) في كينيا بإسهام من جنوب السودان وكينيا وإثيوبيا، ليكون ميناءً مشتركاً للتصدير والاستيراد لهذه الدول الثلاث. تجدر الإشارة إلى أن مشروع خط السكة الحديد الأفريقية الشرقية تقدر تكلفته بنحو (7) مليارات دولار إلى أن يصل جوبا (بغولو وتورورو)، قبل أن يتصل بخط سكك الحديد الكيني الأوغندي، وتقدر مسافته الإجمالية بحولي (725) كلم. وكان وزير النفط لوال دينق في بيانه الأول والأخير له أمام البرلمان أمس (الأربعاء) أعلن دخول حقل جديد في منطقة الفولة بطاقة (12) ألف برميل يومياً، وقال إن افتتاحه سيتم في ال(30) من يونيو الحالي، وتوقع أن يصل إنتاج جميع الحقول إلى (5) ملايين برميل في اليوم في حالة تعاون الشمال والجنوب. وأشار إلى تفاوض الحكومة حالياً مع (3) شركات من كندا وفرنسا ونيجيريا للاتفاق على دخولها في الاستكشافات بشمال السودان، لتضاف إلى (15) شركة ما زالت تعمل في قطاع النفط، منها شركة واحدة فقط تعمل حصرياً في الجنوب مقابل (7) تعمل في الشمال. وطالب عدد من نواب ولاية كردفان الكُبرى بزيادة حصتهم من عائدات النفط، وحذروا من تحول الولاية إلى جنوب جديد، بسبب المشكلات القبلية الناشبة من اعتماد التعويضات على أساس فردي. في وقت أكد فيه لوال بلوغ عائدات النفط ما بين يوليو حتى ديسمبر (2994,4) مليون دولار، نصيب الشمال منها (843,72) مليون دولار، ونصيب الجنوب (2150,37) مليون دولار.