{ تدخل كارثة المشردين التي أودت بحياة (61) منهم بعد تناولهم مادة (السبريتو) السامة، تدخل يومها الثالث ولم تفلح صحافتنا في سبر غور هذه القضية لتصل الى حقائق وأرقام وأوضاع ربما تكون كارثية داخل هذا العالم المغلق ومن ثم تبحر في اتجاه المعالجات والضغط على الدولة والمجتمع ليضطلع كل صاحب مسؤولية بمسؤولته. { ليست هناك إحصاءات دقيقة لهؤلاء المشردين بالرغم من وجود تقديرات ليس هناك من يقف خلفها، لذلك لم تشر غير صحيفة واحدة هي (حكايات) لرقم بعينه ورجحت أن يكون عدد المشردين بولاية الخرطوم ما بين (4000 5000) بالإضافة الي ذلك فإن الإهتمام بهذه الفئة لا يخرج من اهتمام الصحافة بعالم الجريمة وقد أصبح هؤلاء المشردين وقودها وسدنتها وأبطال صفحاتها داخل الصحف الاجتماعية والسياسية أحيانا عندما تضرب إحدى الجرائم بقوة فتستحوذ على الرأي العام مما تضطر حتى الصحف الرياضية لنشر مثل هذه الأخبار. { قبل تلك المخاطر التي تهدد المجتمع جراء الأنشطة التي ينزلق إليها المشردون فإنه من أوجب الواجبات الاهتمام بهذه الشريحة المظلومة التي لم تختر هذا الطريق بمحض إرادتها وإنما ظروفهم هي التي قادتهم الى هذا العالم العجيب وحرمتهم من حقوقهم الأساسية في التنشئة السليمة والأسرة والتربية والصحة والتعليم والحياة الكريمة مثلهم مثل بقية الأطفال. { يجد الواحد منهم نفسه بلا مأوى وبلا أسرة وليس أمامه ليطعم نفسه غير اقتحام أي مائدة حتى لوكانت وسط النفايات ويهبط ليلا الى المجاري وأرصفة الشوارع لينام حتى تشرق شمس يوم جديد فيبدأ مكابدة الحياة ليأكل ويشرب وينام وكفي، فهو لا يفكر في أكثر من ذلك. { أول مسح إحصائي للمشردين بولاية الخرطوم كان سنة 1965 وقدّر عددهم ب (1465) مشردا وفي العام 1972 قفز الى (6000) وفي 1978 كان (7850) وفي العام 1982 وصل عددهم الى (12000) وفي سنة 1986 كان (22000) وفي العام 1991م كانت المفارقة الكبيرة التي تشكك في الإحصاءات السابقة فقد أجرت اليونسيف مسحا غطى كافة الولايات الشمالية كانت نتيجته أن عدد المشردين في الولايات الشمالية (36931) مشردا منهم بولاية الخرطوم (14329) مشردا وهذا الرقم أقل بكثير من الرقم الذي تم الإعلان عنه في العام 1986 وهو (22000) مما يجعلنا نشكك في كافة الأرقام السابقة. { في العام 2001م أجرت عدة منظمات منها إنقاذ الطفولة البريطانية والأمريكية والسويدية بجانب اليونسيف والحكومة السودانية مسحا ميدانيا بولاية الخرطوم كانت نتيجته أن عدد المشردين بالولاية (35000) منهم (28000) يقضون نهارهم فقط بالشوارع وهؤلاء منهم (4000) فتاة وهناك (7000) يعملون ويسكنون بالشوارع من بينهم (700) فتاة أي أن مجموع الفتيات المشردات (4700) فتاة وذلك في العام 2001م وبالتأكيد أن هذا الرقم تضاعف عدة مرات خلال السنوات العشر التي مرت على آخر مسح ميداني. { الأرقام داخل إمبراطورية الشمس كما يطلق عليها مخيفة جدا إن لم تبذل جهود جبارة تجاهها لا سيما وأن الأرقام مرشحة للزيادة وأن المخاطر المرشحة كثيرة ومتنوعة وأن هذا العالم المغلق يفكر بعيدا عن الحراك العام داخل المجتمعات التي يعيش على هامشها أو تحت أرضها وأنه يمكن أن يتم استغلاله وتوظيفه في أي أعمال إجرامية أو لا أخلاقية. { مازالت جهود منظماتنا الوطنية تجاه هذه الفئة ضعيفة وليست بحجم المخاطر المتوقعة كما يحدث الآن لهؤلاء المشردين فمهما يكن فإن ما تعرضوا له وبهذا العدد الكبير من الضحايا يعد وصمة عار على جبين مجتمعنا وهو مجتمع متكافل ومتراحم ومتسامح وكذلك فإن المسؤولية تطال أجهزتنا مثلما تطال منظماتنا الوطنية التي لم تنجز حتى مسحا ميدانيا كما تفعل المنظمات الأجنبية من حين لآخر. { كنت أتمنى أن يخرج علينا أحد المسؤولين الكبار في الدولة ليطالب أو يوجه بتكوين لجنة تحقيق في هذه الحادثة لننتصر لإنسانية هؤلاء المشردين، ونلفت نظر المجتمع بكافة قطاعاته الى حقيقة مهمة هي أن هؤلاء بشر لهم حقوق علينا وهم جزء من هذا المجتمع عصفت بهم ظروفهم وقصورنا لينحوا هذا المنحى ويخرجوا عن النص مرغمين.