لو أننا أنفقنا نزراً يسيراً من عائدات البترول - قبل أن يستأثر بمعظمه الجنوب والجنوبيون - على التعليم والصحة والزراعة لكان الموقف الآن في هذه المجالات في السودان الشمالي أفضل كثيراً. إن الشكل العام - والخارجي تحديداً - لجامعة الخرطوم مثلاً التي هي إحدى مفاخرنا في السودان القديم، السودان الإنجليزي والسودان الديمقراطي المستقل والسودان النوفمبري والأكتوبري والمايوي، هذا الشكل العام والخارجي تحديداً لجامعتنا الأثيرة لا يرضي أحداً. وإن كانت الجامعة ست الاسم بهذا الشكل وبهذه المواصفات فما بالك بالمدارس الثانوية ومدارس الأساس، ولا يقتصر ما يستدعي عدم الرضا عن الجامعة الأم والمدارس على بؤس شكلها الخارجي وإنما يشمل دواخلها، فرواتب أساتذة الجامعة ومعلمي المدارس ليست مجزية والقاعات والمعامل في الجامعة والفصول في المدارس لا يتوافر في معظمها الحد الأدنى من التجهيزات الضرورية المعقولة. ولقد تغير الزمن وما كان في الماضي من الكماليات أصبح الآن من الضروريات، إنني مثلاً لم أر َ جهاز تكييف في كل المدارس التي تعلمت فيها أواخر خمسينيات وستينيات القرن الماضي، لكنني فوجئت عند زيارتي لواحدة من أقدم وأشهر مدارس الثانوي بأم درمان بأنه لا يوجد جهاز تكييف في مكتب المديرة. وبالمناسبة، لماذا ألغينا كلمة الناظر والناظرة، وغيرناهما إلى المدير والمديرة، ولم يقتصر هذا التغيير السطحي الفارع على المدارس وإنما شمل القبائل وزعماءها، فقد كنا نقول الناظر منعم منصور والناظر بابو نمر...وإلخ. وصرنا نقول الأمير عبدالقادر منعم منصور والأمير.. وليس في كلمة ناظر سواء كان ناظر مدرسة أو قبيلة ما يقلل من قيمة ومكانة حاملها، وعليه نرجو أن نعود في المرحلة الجديدة المقبلة بعد 9 يوليو إلى تسمية الأشياء بأسمائها القديمة، والمناصب والوظائف أيضاً. ونرجو أيضاً أن يعود إلى كل اسم ألقه السابق وسموه القديم بحيث يقتصر على أعضاء قمة الجهاز التنفيذي والمركزي أو الاتحادي الذي مقره العاصمة، وتُسمى مناصب كبار التنفيذيين في الولايات أية أسماء أخرى. لقد ضيعنا أيام البترول فرصة الاهتمام كما ينبغي بالجامعة والمدارس والمستشفيات والزراعة، وما زلنا مطالبين بالاهتمام بهذه المرافق، ببذل قصارى ما يمكن لإعادة تأهيلها ونحن بتوظيف عنايتنا القصوى في هذه المجالات وبالشفافية والعدل واحترام المواطن ومنحه الإحساس بأنه لا فضل لأحد على الآخر وأن المعيار هو العمل والتأهيل والنزاهة، وأن هناك خطوطاً حمراء لا ينبغي أن يتجاوزها أحد منها قداسة وحدة البلد من حلفا شمالاً إلى حدود 56 جنوباً ومن بورتسودان شرقاً إلى الجنينة غرباً، ومنها قداسة المال العام ومنها أيضاً وجود جيش واحد في البلد وكل ما عداه ومن عداه متمردون يجب أن تتصدى لهم الدولة بالقوة المسلحة مهما يكن الثمن ومهما تكن التكاليف.