{ اصطلح على تسمية المرحلة القادمة بعد انفصال الجنوب بالجمهورية الثانية في الخطاب الرسمي للدولة والحزب الحاكم ويدور الحديث حولها الآن.. جلست «الأهرام اليوم» إلى بروفيسور الأمين دفع الله، القيادي بالمؤتمر الوطني والأمين العام للمجلس الأعلى للحكم اللامركزي في هذا الحوار تستنطقه حول متطلبات ومرتكزات هذه الجمهورية التي أكد أنها استمرار للإنقاذ أو مرحلة جديدة، متناولاً مرتكزاتها التي قال إن مشروع التوجه الحضاري يأتي في قمتها، بجانب السعي لإشراك الآخرين، علاوة على حديثه عن الكثير من القضايا التي تشهدها الساحة السياسية في جنوب كردفان والنيل الأزرق ووثيقة سلام دارفور التي وقعت في الدوحة.. هذه وغيرها من القضايا فلنطالع إفاداته: { ماذا تعني «الجمهورية الثانية» وقد كثر الحديث عنها؟ - الجمهورية الثانية لا تعني شيئاً جديداً، وهي استمرار لحكومة الإنقاذ ومباديء الإنقاذ وما أتت به الإنقاذ من برامج أساسية منذ أول يوم وما صاحبها من تطور حتى وصلت للمرحلة الحالية، ووضع السودان بعد الانفصال يحتم على الناس أن يراجعوا البرامج، لذلك سميت بالجمهورية الثانية، نعم هي مرحلة لكنها امتداد للمرحلة الأولى ولا يوجد أي تغيير كبير في البرامج.. هي نفسها لكنها تطورت بمشاركة الأخرين، وبالتالي جاءت الدعوة لحكومة القاعدة العريضة. { هل تمت مناقشة الجمهورية الثانية داخل هياكل ومؤسسات الحزب باستفاضة أم جاءت مصطلحاً عفوياً؟ - نحن حزب مؤسس وليس فيه شيء يأتي عفوياً، الآن نحن في حزب المؤتمر الوطني نعد العدة كاملة للجمهورية الثانية بهياكلها وكل ما يتعلق بها، وحزب مثل المؤتمر الوطني لا يمكن يتخذ قراراً عشوائياً ولو كانت قراراته عشوائية ما استمر في الحكم «22» سنة، كل قراراته وفق الهيكلة والمؤسسات، وبالتالي نوقش أمر الجمهورية الثانية نقاشاً مستفيضاً وخرج بقناعات وضعت لها أولويات. { ما هذه الأولويات وترتيبها؟ - هي استمرار لإصلاح الحال في الجمهورية الثانية ويبدأ بإصلاح الاقتصاد الذي وضع له برنامج ثلاثي يناقش الآن في مجلس الوزراء بعد انفصال الجنوب الذي فقدنا من خلاله جزءاً مهماً من اقتصادنا، ما يحتم السعي لتعويض هذا الجزء لضمان استمرار خطوات التنمية التي بدأناها حتى نقدم خدمات متكاملة لأهل السودان، لذلك لا بد من البحث عن موارد بديلة، يأتي بعد ذلك الإصلاح السياسي وهذا في هياكل الدولة والحزب ويجري فيه العمل وفق برنامج ثم علاقات الدولة الخارجية مع دول الجوار وغيرها من السياسات الخارجية كلها وضعت لها برامج ونوقشت عبر هياكل ومؤسسات الحزب، وأكرر أنها لم تصدر من شخص بمفرده. يعني أقول إن الجمهورية الثانية هي توفير موارد إضافية لتحقيق الرفاهية لأهل السودان ثم الاستعانة بالتجارب والخبرات المحلية والخارجية في إطار تطوير العلاقات الداخلية والخارجية ثم الانفتاح على العالم لكسب مزيد من خبرات الدول التي كان لها دور أساسي في الفترة الماضية في دعم السودان وخاصة دول شرق آسيا والدول العربية والإسلامية ثم تحسين العلاقة مع الدولة الجديدة في الجنوب، وأكثر ما يميز الجمهورية أن الناس رأوا بعد التجارب التي مرت بها الإنقاذ ضرورة إشراك الآخرين، سواء بالرأي أو المشاركة الفعلية، وفق برنامج متفق عليه. { سيكون المشروع الحضاري للإنقاذ ضمن مرتكزات هذه الجمهورية أم تخليتم عنه؟ - المشروع الحضاري أول مرتكزات الجمهورية الثانية ولن نتخلى عنه لأنه يرتكز على أشياء أساسية في معتقدات هذه الدولة، وحتى عندما كانت هناك إثنيات كثيرة ولها أغلبيات غير مسلمة شعار الإنقاذ كان هو المشروع الحضاري وطبق في الشمال لوجود الأغلبية المسلمة وترك الجنوب ليحكم علمانياً والآن بعد الانفصال أصبحت فرصة تطبيق المشروع الحضاري أكبر مما كان عليه الحال عندما كان السودان موحداً لأن المقومات لهذا المشروع أصبحت أكثر، هناك تجانس بين السكان في المعتقدات. { ما مرتكزات هذا المشروع الحضاري؟ - الشريعة الإسلامية هي أول مرتكزاته.. أن تكون الحاكمة لأهل السودان وهذا ما طرحناه من شعار في الانتخابات وفزنا به بالأغلبية ولن نتنازل عنه بعد أن فوضنا أهل السودان وفق ما طرحناه في برنامجنا الانتخابي الرئاسي وكل الدوائر.. أن الشريعة أساس الحكم، وأكرر لن نتنازل عنه إلا إذا جاء أهل السودان بحزب أو شخص آخر ليحكمهم بعلمانية أو غيرها، هذا شيء ثانٍ، لكن الآن نحن مفوضون من أهل السودان. والشريعة كلها أمر رباني موجود في القرآن والسنة وهذا هو المرتكز الأساسي، فيها الاقتصاد وحسن الجوار والعلاقات الخارجية وحقوق غير المسلمين كلها موجودة. { هناك مؤسسات موازية لمؤسسات الدولة مثل الشرطة الشعبية والدفاع الشعبي والمنظمات المجتمعية، تزكية المجتمع وغيرها هل ستنتهي أم تظل قائمة؟ - الشرطة الشعبية والدفاع الشعبي هذه مؤسسات يحكمها قانون الجيش والشرطة وستظل قائمة وليس هناك شيء يلغيها «إذا كانت زمان موجودة البخليها شنو تلغى الآن، العيب شنو أن يكون عندنا شرطة مجتمعية لتحفظ هذا المجتمع من الشرور التي دخلت عليه»؟ وهي مؤسسات جاءت لا لتجبر المجتمع على أشياء يرفضها وإنما لحمايته مما دخل عليه من انتشار للمخدرات والاختلاط في الشوارع العامة بعد أن انفتح السودان ودخلت عليه قوات اليونميس والمنظمات التي جاءت على مجتمع السودان المحافظ بكثير من العادات الدخيلة؟ نحن نريد تطهير المجتمع من شرور هؤلاء الدخلاء، لذلك قلنا كفاية لليونميس وستغادر بعد أن انتهى أجلها وأصبحت أداة فساد أخلاقي داخل المدن مع المنظمات وهذه ليست في حاجة لإثبات ونحن لسنا ضد الدعم الذي يأتي من أي جهة في إطار المراقبة عبر آلية العون الإنساني، إما المفوضية أو وزارة الشؤون الإنسانية لكن هناك منظمات كانت تعمل خارج هذا الإطار وضبطت بالوثائق تعمل مع المتمردين وتمدهم بالمعلومات وآخرها أحداث كادوقلي، لذلك لا بد أن تكون هناك رقابة صارمة لأن هؤلاء هدفهم تشتيت أهل السودان وأختم بالقول أن أي مؤسسة من هذه المؤسسات ستظل قائمة تؤدي مهمتها في الحفاظ على المجتمع والدولة ولا يوجد شيء يمنعها إلا إذا غير قانون الجيش والشرطة لأنها موجودة في صلبه. { هل سيتم تعديل القانون؟ - نحن لن نغير القوانين إلا إذا كانت هناك ضرورة للتغيير «مش لأنو الناس انتقلت من مرحلة لأخرى» وإن كانت هناك دواعي للتغيير فهذا سهل فليأت بالأحسن إن كانت هناك بدائل أفضل فليذهب إليها الناس وإلا فليحتفظوا بما لديهم، ولا يمكن أن نترجع للوراء. { لكن هناك حديث عن أن هذه المؤسسات تتخطى حدود صلاحياتها؟ - «شوف» هناك فرق بين أن يكون هناك برنامج ينفذ وبين تخطي الصلاحيات الممنوحة، ومن يتخطى صلاحياته يعاقب المتخطي، لا تلغي الجهاز أو المؤسسة، ولا نستطيع أن نحكم هكذا أصلاً، نحن مع تصحيح المسار ومن كان هناك من يريد تصحيح المسار فمرحباً به وبمقترحاته، لكن نقول وداعاً للشرطة المجتمعية من أجل شعار رفعته جهات بعينها، نقول الذين يريدون أن يعيثوا في الأرض الفساد لا مجال لهم. { هل ستشهد الجمهورية الثانية فك قبضة الحزب الواحد على الحكم بحديثك عن إشراك الآخرين؟ - يا أخي هناك برنامج وطني ومتفق عليه مطروح لا يمثل وجهة نظر المؤتمر الوطني وإنما يمثل وجهة نظر كل الأحزاب الأخرى وهذا البرنامج تم طرحه ويجري نقاش حوله عبر لجان من المؤتمر الوطني والأحزاب الأخرى ونحن مصرون على أن يتم اتفاق حوله ويتحقق هذا الأمل.. الإنقاذ لا تريد أن تقول أنها تركت الدفة ونحن ممسكون بها ولن نفكها لكن نسمح للآخرين أن يركبوا معنا ليجدفوا معنا ويشاركوا دون إنقاص لمكانتهم لأننا نريد أن نبني السودان وفق رؤى وطنية متفق عليها، وطبعاً لا يمكن القول للرئيس اذهب وهو منتخب بهذه النسبة العالية «عشان الجماعة العاوزين يشاركوا ديل، امشي خلي نجيب واحد غيرك». { ماذا عن التحول الديمقراطي الذي تنادي به الأحزاب وما المعالجات التي ستتبعونها في ذلك؟ - ما هو التحول الديمقراطي حتى لا نلوك الألفاظ؟ نحن فهمنا له هو أنه حكم الشعب في اتخاذ قراره وهذا حدث الآن، كل المراحل التي مرت في فترة الإنقاذ، بداية من مشاركة الأحزاب وحتى الانتخابات الأخيرة والمفاوضات مع الحركة عام 2005م أنا أعتبر كل هذا تحولاً ديمقراطياً وإن كان التحول الديمقراطي يعني قبول الآخر فهذا قد تم على أعلى مستويات الحركة الشعبية التي تختلف معنا حتى في منهجها وتفكيرها، فما بالك بالأحزاب الأخرى التي تشاركك الرأي وتدخل معك انتخابات حرة. هذا يعني أن التحول الديمقراطي في الإنقاذ تم وبسلاسة، والشيء الآخر التفاوض لم يتوقف، فاوضنا الجنوب وتم في الشرق والآن وقع اتفاق بشأن دارفور في الدوحة والتفاوض مع الحركات المسلحة لم يتوقف في يوم من الأيام أصلاً، وكلمة تحول ديمقراطي مطاطية لا أدري ماذا يقصد بها، يعني أنا أفتكر فهم التحول الديمقراطي لدى هؤلاء أن تذهب الإنقاذ ويأتي آخرون ليحكموا، هذا يعتبر التحول الديمقراطي الذي ينادون به وطبعاً مما مكن الإنقاذ تتخلى عن مبادئها وتقول للناس تعالوا احكموا لكنها تسعى لمشاركة الآخرين ولأجل ذلك فتحت الباب على مصراعيه لكل من يريد الدخول مرحباً به. { لكن أهل الإنقاذ يشركون الآخرين والقرارات النهائية في القضايا عندهم وفق رؤيتهم؟ - أنا لا أفرض «حاجة على زول»، هناك اتفاق يتم وفق أسس ولا نجبر أحداً، الآن هناك لجان تناقش كل حزب وتسمع وجهة نظره في النهاية نصل لاتفاق في كيف تتم المشاركة بالرأي أو المساندة دون المشاركة في السلطة. بالمناسبة «ما في زول» يشارك بالرأي فقط، الكل يريد المشاركة في «الكيكة» وكل يريد نصيباً أكبر و«الكيكة» محدودة ومن حق أي جهة ترى أننا أخللنا باتفاقنا معها أن تترك المشاركة، لكن كل الأحزاب التي شاركت في حكومة الوحدة الوطنية استمرت معنا حتى النهاية ونحن الآن فاتحون الباب لغيرهم، هناك تفاوض يجري مع الأحزاب التي تسمي نفسها بالأحزاب الكبيرة أو التاريخية والباب مفتوح للجميع، وهناك أحزاب رفضت التفاوض مثل الشعبي والشيوعي. { هل من مصلحة المؤتمر الوطني أن يضعف الأحزاب؟ - نحن في المؤتمر الوطني نفضل أن تكون هناك منافسة قوية وهذا يسرنا لأن المنافسة تحفزنا وعندما نكون لوحدنا نكسل لأنك إن عملت أو لم تعمل ستفوز، لكن عندما تكون هناك منافسة، سواء انتخابات أو مشاركة بقواعد كبيرة، لكن الرموز الحزبية التي قالت إنها كبيرة كان عليها أن تدخل الانتخابات لتعرف حجمها، لماذا خافت من الانتخابات بعد أن أجرت جرد حساب بزيارتها للولايات فضلت ألا تفضح نفسها فانسحبت وأكون واضحا معك المؤتمر الوطني حزب عملاق وفاز باقتدار رضي الناس أم أبوا في الإنتخبات التي حشد لها كل قدراته في كل مراحلها وشهد على نزاهتها مركز كارتر والاتحاد الأوروبي لكن عندما يفقد الشخص الفرصة يرمي باللوم على الآخرين.. «يا جماعة» اعترفوا مرة واحدة لماذا لا تقبلوا الهزيمة لتكون حافزاً لكم في التحضير للمرة القادمة؟!.