ما زالت قضية تشغيل الشباب قضية تشكل هاجساً كبيراً وتحدياً عالمياً، ونحن في السودان نعترف بأن المشكلة هنا مزمنة بل وكل الحكومات التي مرت على البلاد عانت ما عانت من عدم وجود حلول ناجعة ورغم صغر حجم المشكلة بعد الاستقلال إلا أن العطالة كانت حاضرة لدرجة قادت بعض الحكومات الوطنية وقتذاك إلى تخصيص ما يعرف ببند العطالة. الآن بالطبع الموضوع مختلف لأن القوى البشرية من حيث العددية هي في ازدياد، وضاقت الوظائف بعد التوسع في ثورة التعليم العالي والخصخصة والعولمة وقلت فرص الاغتراب أيضاً الذي كان بإمكانه أن يحل جزءا من المشكلة، ولهذا أسباب معروفة منها الظروف الاقتصادية للبلدان التي كانت قبلة للعمالة السودانية وزاد الطين بلة حدوث الثورات واضطراب الأوضاع في بعض البلدان، إضافة إلى الهجرة الوافدة على السودان وما يعرف بالعمالة الأجنبية. لكننا بذات القدر يجب أن لا تتوقف مجهوداتنا العلمية والعملية في سبيل محاصرة قضية (البطالة) وذلك بتوسيع المدارك والأفق والخيال لعملية الإحلال والإبدال وخلق البدائل المطلوبة، وبدلاً من أن تكون هناك وزارات مختلفة تحمل نفس الهموم والمضامين والغايات مثل وزارة العمل وتنمية الموارد البشرية وجهود مبعثرة هنا وهناك يجب أن تكون هناك وزارة واحدة يتعامل معها الناس وتكون قبلة لكل طالب عمل. أيضاً لا بد من أن تقود حربا شعواء على أمراض متوارثة تسمى الواسطة والمحسوبية والتزكية لأن هذه الأمراض ثبت عالمياً بأنها تؤخر ولا تقدم وحبلها قصير في المردود والناتج، لأنها قد تأتي بكفاءات غير مطلوبة وربما لا ينطبق عليها لفظ الكفاءة وتفقدنا (الواسطة والتزكية) كفاءات مطلوبةحقاً. فمشكلة تشغيل الشباب هي قضية هامة مرتبطة ارتباطا وثيقا باستغلال الطاقة الكامنة للشباب، وهذا الأمر لن يتحقق إلا بخلق فرص العمل المناسبة، فالعطالة باتت وبلا منازع أكبر مهدد رئيسي لأمن المجتمع إن لم يتم تداركها. فنحن نعلم أن فرصة الدولة في التشغيل هي محدودة مهما كبرت، وأن القطاع الخاص يستوعب نوعية محددة من العمال، وبالتالي يتوجب على الوزارة الجديدة التركيز على أهمية رصد سوق العمل وإجراء مسح للقوى العاملة لتحديد الاحتياجات، وإنشاء مشروعات صغيرة لمعالجة مشكلة البطالة والتوسع في التعليم الفني والتقني وحث الشباب على الالتحاق بمثل هذا النوع من التعليم، وضبط استخدام العمالة الأجنبية، وتقوية البنية التحتية للريف لتقليل الهجرة والاهتمام بالتدريب التحويلي خاصة للذين يفقدون وظائفهم نتيجة الخصخصة وإعادة الهيكلة، وهذه المطلوبات لأهميتها ظلت تنادي بها ورش وندوات ومؤتمرات كثيرة انعقدت في هذه البلاد، ولكن تظل مطلوبات لم تر النور بعد لذا نعيد تسويقها مرة أخرى علها تسعف صناع القرار التوظيفي والتشغيلي بالبلاد ونعالج بذلك نصف المشكلة إن لم يكن كلها. وهنا كم أعجبت بوالي الخرطوم د. عبدالرحمن الخضر الذي قال لنا في أحد الملتقيات الإعلامية التفاكرية إن منزله مزحوم بشهادات الأقارب من الخريجين ولكنه لن يستطيع أن يفعل لهم شيئاً، فالتحية للوالي الذي يحارب الواسطة والتزكية.