مرت أمس الذكرى السادسة لمصرع الدكتور جون قرنق رئيس الحركة الشعبية وقائد الجيش الشعبي وكان بالإضافة إلى ذلك يشغل منصب النائب الأول لرئيس جمهورية السودان عندما تحطمت طائرته اليوغندية في أقصى جنوب السودان. ولّما أُذيع مصرعه خرج الجنوبيون بالعاصمة المثلثة إلى الشوارع ينهبون ويحرقون ويقتلون كل من هو ليس جنوبياً.. لكن مواطني العاصمة المثلثة ردوا على التصرفات الهمجية وعلى أصحابها المثقلين بالعقد والأحقاد بكل الرجولة وبكل النبل والفروسية وأعادوا الأمور إلى نصابها وإن ظل الحذر هو سيد الموقف. وتعاملت الحكومة مع الحوادث الدامية وفي بالها الخصوصية الجنوبية والمحافظة على اتفاقية السلام التي أبرمتها مع الحركة الشعبية قبل بضعة شهور. ويقولون إن الدكتور جون قرنق كان يطمح إلى حكم السودان، وكان ذلك من حقه وهو حق يشترك فيه معه كل السودانيين الطامحين في مختلف أرجاء القطر وكان من المرفوضات في حالة جون الوسيلة التي اتخذها لتحقيق طموحه إلى حكم السودان وهي التمرد على القوات المسلحة ومحاربتها ثم الإطاحة بالحكومة المركزية وإقامة نظام بديل يغير التركيبة السودانية لصالح الأعراق التي ينتمى إليها. وكان وصول الدكتور قرنق إلى الحكم من خلال العملية الديمقراطية مستحيلاً، فغالبية السودانيين ليست منتمية للحركة التي يرأسها. وكانت الدماء الغزيرة التي أسالها جيشه حاجزاً نفسياً يحول بين كثير من السودانيين وبين القبول به رئيساً. وكنا كتبنا عام 1992م على صفحات «السودان الحديث» أنه حتى اسمه لا يساعده في تحقيق القبول في الشارع الشمالي ولو لم يكن اسمه جون وكان اسمه ملوال أو سرسيو أو ألير أو أي اسم من الأسماء الجنوبية البحتة لكانت فرصه أوسع في تحقيق الحد الأدنى من القبول في الشارع الشمالي الذي لا بد من كسبه للفوز في أية انتخابات، ذلك أنه يمثل غالبية السودانيين. وبعد مصرع الدكتور قرنق قبل ستة أعوام مات الحلم أو الكذبة الشهيرة التي انخدع بها بعض الشماليين، المهمشين منهم وغير المهمشين التي هي السودان الجديد الممتد من حلفا إلى نمولي ومن بورتسودان إلى الجنينة، سودان المهمشين الغبش الذي لا يعلو فيه عرق على آخر.. ولا لغة على أخرى، وكان واضحاً أن السودان الجديد كان يعني من ضمن ما يعني تهميش العرب والمستعربين والناطقين بالعربية. وتبخر ذلك كله بتحطم الطائرة اليوغندية تحت المطر والأعاصير ودوي الرعد في أحراش الاستوائية قبل ستة أعوام وانكفأ التلاميذ والمستشارون والجنود على الجنوب، وامتنعوا تماماً عن التفكير.. مجرد التفكير .. وربما حتى الحلم والأمل في حكم السودان، ويُفَّسر ذلك بشطرة من بيت شعر نصها «على قدرِ أهلِ العزمِ تأتي العزائمُ».. ويُفَّسر أكثر بحقيقة تم التعتيم عليها في الماضي وهي أنهم منذ البداية وفي المقدمة منهم الدكتور قرنق انفصاليون.